سباق الإصلاح السياسي ينتهي بجائزة ترضية للأردنيين

مؤسسة الحكم قررت الآن السماح للأحزاب بأداء دور في الحكومة ولكن على طريقتها ومقاسها وبأرقام ونسب مئوية.
الحكومة المنتخبة ستكون شبيهة بالحكومات الحالية بل وأضعف
المشهد الحزبي يكاد لا يُرى بعد عقود من إضعاف الأحزاب وإحاطتها بالتضييق الأمني وضعف التمويل

كان شائعا في برامج المسابقات قبل زمن أن من يشارك ولا يفوز، يُمنح جائزة ترضية متواضعة وبعيدة للغاية في قيمتها عن مكافأة الفوز، ولكنها على سبيل التقدير لمساهمته في المسابقة وعلى أمل ألا يخرج مكسور الخاطر بعد التنافس والتعب.
إشارات متعددة، وعلى ألسنة كبار المسؤولين الحكوميين، تؤكد ان التشريعات الجديدة المنظمة للحياة السياسية في الأردن تسير عكس الاتجاه المطلوب والطبيعي لتطوير أسلوب الحكم من الملكية المطلقة الى الحكومات المنتخبة.
وكان هذا الهدف منشودا منذ سنوات طويلة: طالب به المحتجون في 2011 ودعا اليه الملك عبدالله الثاني في أوراقه النقاشية ثم في اللجنة التسعينية التي شكلها هذا العام لإصلاح المنظومة السياسية، الى أن أقر مجلس النواب تعديل الدستور بمواد وصياغات تقيد سلطات الحكومة المستقبلية المنتخبة من الأحزاب الممثلة في البرلمان، وتمنحها للملك.
الغريب وغير المفهوم ان مؤسسة الحكم تبرر التعديلات الدستورية بمخاوف من تأثير الحكومة الحزبية، وهي الحكومة التي انتخبها الناس، على "القضايا العليا" المرتبطة بالدفاع والأمن والسياسة الخارجية. وللحكومة في ما دون ذلك ان تتحرك وتقرر!
هذا التبرير يعني بديهيا ان الحكومة المنتخبة ستكون شبيهة بالحكومات الحالية بل وأضعف على المستوى الوزاري السيادي وعلى المستويات الإدارية التي تليه في المناصب الحساسة والمهمة.
رئيس الحكومة المنتخبة ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية سيكونون أعضاء في "مجلس الأمن القومي" الى جانب رئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات واعضاء آخرين. ويدعو الملك المجلس للاجتماع ويشارك فيه حضوريا او تفويضا للبت في "القضايا العليا".
كل ما تقوله حكومة بشر الخصاونة في الدفاع عن إنشاء المجلس، وقد أضافته الى مقترحات اللجنة الملكية، لا يخرج عن فكرة هي في النهاية تعني تحجيم المشاركة السياسية، ما دام الناس هم من يختارون حكوماتهم عبر أحزاب البرلمان.
كذلك الأمر على مستوى الإدارة العامة، فليس للحكومة المنتخبة أي دور أو تدخل في قرارات تعيين مدير الأمن العام وقاضي القضاة ورئيس المجلس القضائي الشرعي والمفتي العام ورئيس الديوان الملكي ووزير البلاط. وهي القرارات التي يتخذها الملك، بمقتضى الدستور الحالي، بعد توصية من الحكومة.
نفس التبريرات تساق على نغمة إبعاد الحكومة المنتخبة عن التأثير في القضايا الأمنية والدينية وتحييد دور الأحزاب التي يتم تصويرها في الخطاب الرسمي على شكل مكامن خطر او جماعات قادمة من الفضاء لا هم لها سوى تغيير السياسة العامة للبلد.
الخصاونة نفسه قال حرفيا في حوار صحافي قبل أيام ان الدافع وراء إنشاء مجلس الأمن القومي هو "ضمان ألا تهيمن أي أغلبية حزبية على مصالح الدولة العليا"، ولكنه لم يوضح من الذي يحدد هذه المصالح اذا لم تكن الحكومة المنتخبة الحزبية.
والمفارقة المفهومة هنا ان التعديلات المقترحة على قانون الأحزاب الذي يبحثه البرلمان حاليا، تشجع الأردنيين على الانخراط في العمل الحزبي وتقدم لهم ضمانات بشأن الملاحقات الأمنية والقضائية.
وهذا يعني نظريا تعزيز فرص المشاركة في الحياة الحزبية. لكن التعديلات نفسها تضع شروطا غير موجودة في القانون الحالي على إنشاء الأحزاب، مرتبطة بالعمر والنوع الاجتماعي وعدد المؤسسين. 
كما ان دور الأحزاب في الحكم لن يظهر الا بعد مرور عشر سنوات من الآن، في ما يشبه فترة اختبار أو حضانة كفيلة بإنضاج التجربة الديمقراطية، ويا لها من تجربة.
يكاد المشهد الحزبي لا يُرى في الأردن الآن بعد عقود من إضعاف الأحزاب وإحاطتها بالتضييق الأمني وضعف التمويل، رغم انها ليس بدعة في الأردن الذي شهد في زمن مضى حياة حزبية نشيطة حين أتيحت للأحزاب المشاركة في الحكومة.
مؤسسة الحكم قررت الآن السماح للأحزاب بأداء دور في الحكومة ولكن على طريقتها ومقاسها وبنسب مئوية وأرقام تحدد مشاركات الشباب والمرأة والمحافظات والحدود الدنيا لأعداد المؤسسين والمنتمين للأحزاب.
والى جانب قانون الاحزاب، يبحث البرلمان قانون الانتخاب ايضا الذي يمثل المحور الثاني في الإصلاح السياسي تحت مظلة الدستور الجديد، ويعوَّل عليه في تغيير النظرة التقليدية السلبية تجاه البرلمانات.
ستمر تعديلات الأحزاب والانتخاب على البرلمان، الذي اختاره حوالي ثلاثين بالمئة فقط من الناخبين، مثلما أرادتها مؤسسة الحكم ومثلما حدث فعلا مع التعديلات الدستورية التي لم يبقَ لإنفاذها سوى مصادقة الملك. 
إذن، الأحزاب التي ستعبر عن رأي الناس في الحكم، لا علاقة لها بـ"القضايا العليا" حيث يرسم الملك هوامش التحرك وحدود اتخاذ القرارات للحكومة المنتخبة التي سيكفيها التنفيذ.
ماذا تبقى من عملية الإصلاح الموعودة؟ وقد انشغلت بها الطبقة السياسية والبرلمان ووسائل الاعلام منذ الصيف الماضي واندلعت بسببها أو على هامشها خلافات وسجالات ومعارك كلامية، لكنها انتهت بعنوان أساسي: تعزيز سلطات الملك على حساب صلاحيات الحكومة الواردة في الدستور الحالي.
من حق الناس أن يتساءلوا عن الهدف من هذه العملية برمتها وكيف تتفق مع المواد الراسخة في الدستور الأردني منذ 1952، والذي يحدد شكل الحكم بأنه نيابي في المقام الأول ثم ملكي وينص على ان "الأمة مصدر السلطات".
ولكنهم وهم يتساءلون لا يعثرون على ما يشير الى تحقيق شيء ملموس على مسار الإصلاح بل ان شعار "التحديث السياسي" أفرغ من مضمونه وتقلص على شكل تعديلات تشريعية غير أساسية.
أراد الأردنيون الفوز بدستور عصري يلائم دخول الدولة مئويتها الثانية عبر حكومة ينتخبونها وتحكم باسمهم. ولكن مؤسسة الحكم اكتفت بما يشبه "جائزة ترضية" في صورة تعديلات أخرى شكلية على الدستور وقانوني الأحزاب والانتخاب وخاضعة أيضا للاختبار في السنوات القادمة.