سترة نجاة للانتخابات

الرهان على نتائج الانتخابات الآتية هو رهان على حل مجازي. لا توجد معطيات تؤشر إلى قدرة الأطراف اللبنانيين على الجلوس معا والاتفاق على لبنان جديد واحد.
دول غربية تشكو من دور حزب الله في لبنان وتقترح حلولا وتسويات لمصلحة حزب الله!
كان علينا التريث في إجراء الانتخابات النيابية بسبب قانونها وفي ظل هيمنة السلاح غير الشرعي

ما شكك اللبنانيون في انتخابات نيابية بقدر ما يشككون في انتخابات 15 أيار المقبل. أسباب التشكيك عدة، أبرزها: الارتياب بنيات السلطة، التخوف من الوضع الأمني، التوجس من التدهور المالي والفوضى، وعدم الثقة بأن الانتخابات ستؤدي إلى التغيير الإيجابي المنشود.
منذ اتفاق الطائف، جميع الاستحقاقات الانتخابية مدار تشكيك وإرجاء. النظام الديمقراطي معلق بحكم سوء تطبيق دستور الطائف وسوء تفسيره. وفي الحالتين بحكم سوء النية. استعيض عن مجلس الشيوخ بمجلس مشايخ مصغر يتحكم بالبلاد بموازاة رئاسة الجمهورية ورئاستي المجلس النيابي والحكومة. واستبدلت قاعدة الموالاة والمعارضة ببدعة "التوافقية" التي صبت في مصلحة الأقوى عسكريا وليس في مصلحة الأضعف ميثاقيا، فــثــبــتت فدرالية مقنعة في نظام مركزي صوري. هذه كانت الحال في زمن النظام الأمني اللبناني/السوري، وهي مستمرة في زمن النظام الأمني اللبناني/الإيراني. البلاد محكومة من خارج نظامها ودستورها وشرعيتها، وخصوصا ضد إرادة شعبها. هذه انتخابات حية في نظام ميت.
رغم ذلك، تراهن قوى سياسية على الانتخابات النيابية المقبلة، ويراقبها المجتمع الدولي كأن من صناديقها سيطل فجر لبنان الجديد. لكن الجميع يتغافل قصدا أن هذه الانتخابات، على أهميتها في هذا الظرف، زورت قبل أن تبدأ وصارت قابلة للطعن، وأن نتائجها وضيعة بعد أن تصدر. فالأكثرية المنتظرة، أكانت لصالح الموالين أو المعارضين، ستكون نسبية وضئيلة الفارق، وبالتالي دون القدرة على إجراء التعديلات المصيرية والجذرية لأن هذه تتطلب أكثرية الثلثين. بدأ تزوير الإرادة الشعبية والميثاقية في هذه الانتخابات من خلال الشوائب التالية:
أولا: نوعية قانون الانتخاب الذي يصلح لدولة تقوم على نظام حزبي حصري، بينما اعتماده في الواقع السياسي اللبناني يوفر الفوز سلفا لقوى المنظومة السياسية المستهدفة بمشروع التغيير.
ثانيا: انتشار الرشوة المالية بنسب تفوق التصور في غالبية الدوائر بحيث صار المال، لا الكفاءة، معيار الخيار الانتخابي لدى فئات شعبية معينة.
ثالثا: تعرض مرشحين في الجنوب والبقاع لتهديدات، وحتى لاعتداءات، أدت إلى عدم ترشح البعض منهم وإلى انسحاب البعض الآخر من لوائح المعارضة بعد تشكيلها.
رابعا: الالتباس المشبوه في تنظيم انتخابات بلاد الانتشار وتوزيع أقلام الاقتراع لثني فئات عن المشاركة. 
خامسا: تدخل دول خارجية في نسج التحالفات السياسية وتأليف اللوائح وتمويل عدد وافر من المرشحين.
سادسا: فقدان المساواة بين المرشحين واللوائح في الظهور الإعلامي، والتفاوت الكبير في ميزانيات المرشحين.
إلى ذلك نضيف حالتين تعتريان المسار الانتخابي من دون أن تكونا تزويرا بالمفهوم القانوني وهما: 1) تشويه التمثيل المسيحي، فالقوى المسيحية رفضت القوانين الانتخابية السابقة على أساس أنها ترهن فوز النواب المسيحيين بناخبين مسلمين، فإذا جزء من نواب هذه القوى المسيحية سيفوز بهمة الصوت الشيعي الثابت، والجزء الآخر بحمية الصوت السني العائد. 2) طمس الهوية السياسية، فعدد من المرشحات والمرشحين الجدد يتقدمون إلى الانتخابات تحت ستار المجتمع المدني غير الحزبي، فيما هم ينتمون فعليا إلى أحزاب يسارية عقائدية وإلى أحزاب لا تؤمن بالكيان اللبناني. ويكثر هؤلاء في الدوائر ذات الأكثرية المسيحية.
كان يفترض بالشوائب الست الأولى أن تحرك الدولة لتوقف التجاوزات الحاصلة، وتعيد الاستحقاق الانتخابي إلى مسار النزاهة والشفافية والمساواة فيتحمس المواطنون ويقترعوا. لكن الدولة تتصرف كأن إجراء الانتخابات هو بحد ذاته إنجاز تـمنن الشعب والعالم به، ولو اعترته شوائب وانتابته مخالفات، في حين أن الإنجاز هو بنزاهة الانتخابات فلا تكون فعلا مهدورا. إن أي انتخابات لا تنبثق منها حالة وطنية جديدة تعزز الديمقراطية وحركة التغيير في المجتمع وتجدد في القيادة السياسية، لا فائدة منها وهي اجترار لما مضى. والحقيقة أن الاستحقاقات الديمقراطية في لبنان أمست فعلا فائضا وأقرب إلى تلك التي تحدث في أنظمة الحزب الواحد لا إلى تلك التي تجري في الأنظمة الديمقراطية. وفي التعبير الرائج هي "انتخابات كونترول".
في الدول الديمقراطية لا يؤثر انتصار فريق على آخر في كيان الدولة ونظامها وهويتها واستقلالها ونمط حياة مجتمعها لأن الانتصار جزء من تداول السلطة حضاريا. أما في لبنان، فالوضع مختلف تماما، لاسيما هذه المرة، إذ يدور جوهر الصراع الانتخابي حول مصير لبنان بكل ما يعني منذ سنة 1920 لا حول تداول السلطة منذ الانتخابات النيابية سنة 2018. 
إذا فاز حزب الله وحلفاؤه في الانتخابات المقبلة سيتبدل نظام لبنان وهويته وعلاقاته، وستشمل العقوبات الدولية حينئذ الدولة اللبنانية لا حزب الله فقط. لذلك، كان يفترض أن نتأنى في إجراء الانتخابات النيابية على أساس هذا القانون وفي ظل هيمنة السلاح غير الشرعي، مثلما تمهلنا في إجراء حوار وطني غير متكافئ. أما وقد تقررت الانتخابات، فإلى الاقتراع الكثيف "در". لكن الغرابة أن دولا غربية، في طليعتها أميركا وفرنسا، تخشى حصول حزب الله وحلفائه على الأكثرية، وتستمر في حماستها للانتخابات! والملتبس أيضا أن هذه الدول تشكو من دور حزب الله في لبنان، وتقترح بالمقابل على لبنان حلولا وتسويات لمصلحة حزب الله (تعديلات دستورية ومقترحات صندوق النقد الدولي وما يتبعهما من تأثير سلبي على النظام المصرفي والاقتصاد الحر).
يجب أن نتحلى بالجرأة والتجرد ونعترف باستحالة حصول التغيير الإيجابي في لبنان من خلال المؤسسات الشرعية فقط، أكانت الشرعية في يد هذا الفريق أو ذاك بحكم وجود فيتو "ميثاقي" أو "عسكري" يعطل الحلول. إن الرهان على نتائج الانتخابات الآتية هو رهان على حل مجازي. لا توجد معطيات تؤشر إلى قدرة الأطراف اللبنانيين على الجلوس معا والاتفاق على لبنان جديد واحد. لذا، بموازاة الاستحقاق الانتخابي، لا بد من سلوك طريق الأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي يضمن وجود لبنان المهدد، ويشرف على تحصين الدستور بركيزتي الحياد الناشط واللامركزية الموسعة.