سر جمال بغداد

البغداديون يرون الفرق عندما يبتعد العمل الحكومي عن السياسة.

في بغداد يكمن سر الجمال لأنها تأسست بعد مرور ثلاثة آلاف سنة وأكثر على نشوء حضارات آشور وأكد وأور والوركاء وأريدو، وربما حضارات أخرى طويت وإنهارت بفعل عوامل البيئة والإقتصاد والسياسة والحروب والآلام. بغداد هي خلطة عجيبة وجميلة من مواد تلك الحضارات. الأنهار الجارية، والعناقيد المتدلية، والحدائق المعلقة والجبال العالية والنخيل، وكم هائل من مياه الأهوار والقصب والبردي، ومن دجلة والفرات، وملايين البشر العابرين الذين نحبهم، وربما كرهناهم بفعل التاريخ والروايات والحكاوي، والقصور العالية والزروع، وما نسجته الأيادي في الحواضر والبوادي، وملاحم الحروب وصناعات البشر، وآلامهم ومعاناتهم، وكم الشقاء الذين أنهك أجسادهم وأرواحهم. والقصائد والمراثي التي نظموها والقبور التي زينوها، والشوارع التي إتسعت لهم، أوضاقت بهم، والأحلام التي صارت حضارة كاملة.

بغداد التي عانت الحرب والإرهاب تقع مسؤولية جمالها علينا جميعا، وأنا واثق إنك سيدتي أمينة بغداد تملكين رغبة كبيرة في صناعة الجمال، ومثلما ساهمت في رفع الحواجز الكونكريتية، وابعدت المتجاوزين عن الشوارع، والباحثين عن العيش بقطع طرق المارة، وعملت على تأهيل الساحات والحدائق والأماكن العامة لتكون ملاذا للإنسان، فإنك قادرة على أن يكون لبغداد جمالها الخاص، وليس مؤكدا أننا سنحظى بعد سنوات بأمين لبغداد من ربات الجمال والأناقة خشية أن يداهمنا سياسيون برجل ينظر الى بغداد بوصفها مكانا ملائما لتجارة حزبية، وليست عاصمة لبلد حضاري وعظيم كالعراق. ولذلك نربد لجمال بغداد أن يكون متوهجا أكثر، ولنثبت إن الحياة ممكنة وجميلة.

يأمل الناس أن تستمر الأعمال لتطوير معالم المدينة، وتنمية الحياة فيها، وجعلها متألقة على الدوام، ونعلم إن المسؤولية تشاركية، ولا تقع على عاتق جهة بعينها، فالبناء يعلو بتظافر الجهود، وتكاتف الناس مع بعضهم.

الفترة الأخيرة شهدت تحولات كبرى، وبدأت مؤسسات الدولة تلامس المارة في الشوارع، فقد فتحت شوارع العاصمة، وظهرت البنايات التي حجبت بالكونكريت بفعل المخاوف من العمليات الإرهابية، وبانت معالم المدينة. وهاهي الحدائق والشوارع تهتف للحياة، وللغد الجميل الذي تصنعه أفكار ونوايا طيبة، وجهود خيرة صادقة.

ما تتبعناه وراقبناه من جهد نأمل أن يستمر ليحقق المزيد من المكاسب للمواطنين ويرسخ التغيير في كل شيء.