سعوديات يقدن قطارات فائقة السرعة وسط مباركة الركاب

خطوة تسلط الضوء على مهمة ملحة تواجه صنّاع القرار في السعودية وتتمثل في توفير وظائف لجميع المهتمات بالمشاركة في اقتصاد يشهد تغيرات سريعة.

جدة (السعودية) - انتقلت دفعة من 32 شابة سعودية من التدريب النظري إلى القيادة الفعلية لقطارات فائقة السرعة في السعودية وذلك بعد اجتيازهن العديد من التدريبات، وسط تباين في ردود فعل الركاب.

وتعزز هذه الخطوة الانفتاح الاجتماعي للمملكة المحافظة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إطار خطة اقتصادية طموحة تحمل عنوان 'رؤية السعودية 2030'.

واستفدت السائقة ثراء علي التي تجلس في مقعد القيادة في قطار فائق السرعة ينقل الحجاج إلى مكة من سعي المملكة الخليجية المحافظة لتوفير الوظائف لعدد متزايد من السعوديات اللواتي يُقبلن على سوق العمل.

ولم تحصل السعوديات على حق قيادة السيارات إلا عام 2018 فقط وحتى وقت قصير كانت تجربة علي في القيادة مقتصرة على التنقل بسيارة أسرتها في مدينتها الساحلية جدة، غير أنها انضمت العام الماضي إلى 28 ألف امرأة تقدمن لشغل 32 وظيفة لسائقات قطار الحرمين السريع الذي يقطع المسافة البالغة 450 كيلومتراً بين مكة والمدينة بسرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة.

واجتازت السعوديات العديد من التدريبات النظرية من ضمنها أنظمة المرور والسلامة ومخاطر العمل ومكافحة الحرائق والجوانب الفنية المتعلقة بالقطار والبنية التحتية حتى تكون جاهزات لقيادة القطارات بين المدن السعودية بمفردهن.

وكانت معلمة اللغة الإنجليزية السابقة ضمن عدد قليل من المحظوظات اللواتي وقع عليهن الاختيار وقد أنجزت رحلتها الأولى الشهر الماضي.

وقالت "أول يوم عمل ودخول القطار ومقصورة القيادة كان أشبه بالحلم"، متابعة "عندما تكون في المقصورة ترى الأشياء تتجه نحوك بسرعة فائقة. انتابني قليلا شعور بالخوف والرهبة لكن الحمد لله مع الأيام والتدريب المكثف أصبحت واثقة من نفسي".

وارتفعت نسبة السعوديات في سوق العمل بأكثر من الضعف منذ 2016 من 17 في المئة إلى 37 في المئة وتساهم هذه الأرقام الإحصائية في تعزيز الانطباع الذي تسعى السلطات السعودية لإعطائه عن كونها تعمل بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تعزيز حقوق المرأة، ما أتاح لها الحصول على إشادة أخيرا في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

فرص جديدة
فرص جديدة

إلا أن نسب البطالة بين السعوديات لا تزال مرتفعة رغم ذلك، إذ بلغت 20.5 في المئة العام الماضي مقارنة بـ4.3 في المئة للرجال السعوديين.

وهذا الرقم مثله مثل تدفق المتقدمات لشغل وظيفة قيادة القطارات السريعة يسلط الضوء على مهمة ملحة تواجه صنّاع القرار في السعودية وتتمثل في توفير وظائف لجميع السعوديات المهتمات بالمشاركة في اقتصاد يشهد تغيرات سريعة.

ويرى الخبير الاقتصادي السعودي مشعل الخويطر أن "التحدي تحوّل من تشجيع النساء للانضمام إلى القوى العاملة إلى توفير عدد كاف من الوظائف لتوظيف آلاف السعوديات اللواتي يدخلن سوق العمل".

ودرجت السعوديات على العمل وتحقيق النجاح في مجالات عدة مثل التعليم والطبابة، لكنّ التدابير التي اتخذت في السنوات الأخيرة والتي قلصت إلى حد ما التمييز بين الجنسين في مكان العمل وخففت القيود على الملابس النسائية أتاحت فرصا جديدة.

ويشمل ذلك وظائف في قطاع الفنادق والمطاعم مثل النوادل وموظفي الاستقبال وهي أعمال كان يهيمن عليها الأجانب في السابق وهو ما شكّل تعزيزا لسياسة 'السعودة' التي تتبناها الحكومة منذ سنوات طويلة وتزايدت وتيرتها أخيرا.

ورغم أن الأعراف الاجتماعية لا تواكب دائما بسرعة التغيير، تلاحظ السائقات الجديدات بأنفسهن تغيير البعض آراءهم.

وتروي السائقة رنيم عزوز أن راكبة اعترفت لها في نهاية إحدى الرحلات إلى المدينة بأنها لم تكن تصدق أن في استطاعة النساء تولي هذه المهمة إلا بعد أن رأت ذلك بأم عينيها.

وتضيف "قالت لي 'بصراحة حين رأيت الإعلان عن الوظائف كنت ضده تماما، كنت أقول لو أن ابنتي ستقود القطار، لن أركب معها'".

وبعد الوصول إلى وجهتها بسلام، أكدت الراكبة لعزوز أنها "أثبتت نفسها" وأخبرتها بأنها لم "تشعر بأي فارق".

ويقول نائب الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للسكك الحديدية ريان الحربي إن السائقات "يتمتعن بكفاية عالية وأثبتن جدارتهن أثناء التدريب".

ويرى أن "هذا دليل على أن لدى المرأة السعودية قدرة كاملة متى تم تمكينها لأداء المهام أسوة بالرجال".

لكن لا يبدو أن هذا التغيير يقنع الجميع، فبالنسبة إلى الموظف الحكومي الإماراتي محمد عيسى الذي استقل القطار السريع حديثا إلى مطار جدة، فإن مكان المرأة الطبيعي بيتها والاهتمام بأعمالها المنزلية.

ويقول "إذا تفرغت المرأة لبيتها لا شك في أنها ستكون أسرة ناجحة"، متسائلا "إذا غابت المرأة عن البيت ومن المؤكد أن العمل يؤدي إلى ذلك من يتولى دورها؟"، مشدداً على أن "من المهم أن تكون المرأة في بيتها".

وترى الباحثة في معهد دراسات الخليج العربي في واشنطن سوزان سيكالي أن مثل هذه الآراء تمثل على الأرجح وجهة نظر الأقلية بين السعوديين.

وتلاحظ أن "بعض الرجال اعتبروا أن النساء بتن يشغلن وظائفهم، لكن هذه التعليقات كانت قليلة".

أما الباحثة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية نجاح العتيبي فترى أنه "من غير الممكن توقّع دعم جميع السكان كل سياسة في البلاد"، مؤكدة أن "غالبية الناس يدعمون التغيير".

وفيما تعمل السائقات الجديدات على ترسيخ أنفسهن في وظائفهن يركّزن على ردود الفعل الإيجابية التي تُشعرهن "بالسعادة والحماسة" ومنها مثلا أن ركاباً يطلبون التقاط صور سيلفي ذاتية معهن في نهاية كل رحلة.

وتقول علي "كل مرة أنتهي من رحلتي أنزل من القطار وأجد المسافرين يحيونني ويقولون 'شكرا لك، الحمد لله على السلامة'"، متابعة "يشكرونني لأنّ الرحلة كانت سلسة".

وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أعلن عن مشروع قطار الحرمين في سبتمبر/أيلول من العام 2018 بتكلفة 6.7 مليار يورو (7.87 مليار دولار) وتبلغ سرعته 300 كيلومتر في الساعة. وتخطط السعودية للتوسع في المشروع من خلال ربطه بقطار مقرر بين العاصمة الرياض وجدة.