سلمان رشدي في مواجهة قتلته كرويا

سلمتنا حرب أوكرانيا إلى مونديال قطر لذلك لم يسأل أحد عن مصير سلمان رشدي.

ليست لسلمان رشدي مؤلف "أطفال منتصف الليل" علاقة بكرة القدم لذلك نساه الكثيرون ولم يتساءلوا عما جرى له بعد حادثة الطعن التي تعرض لها في 12 من أغسطس/آب الماضي. لقد خسر مؤلف "آيات شيطانية" القدرة على استعمال يديه كما أنه فقد النظر في إحدى عينيه.

غطت حرب أوكرانيا الروسية بمآسيها على الخبر. هل كان ذلك صحيحا. ولأن رشدي هو أشهر من نار على علم كما يُقال فليس من المفروض أن يُسئل بوتين أو زيلينسكي إذا ما كانا قد سمعا بالجريمة التي كان ضحيتها. أليست حربهما فائضة؟ أعتقد أن الإنسانية في مكان آخر. والرجلان لا يدافعان عن مبادئ حقيقية. كنا في غنى عن تلك الحرب. لم يكن الروس ولا الأوكران في حاجة إلى تلك الحرب ليثبتوا من خلالها أنهم موجودون على الخارطة السياسية الدولية. هل كان الشعبان فرحين بوقوع الحرب وقد سبق لهما أن جربا مآسيها؟

أن يكون كاتب بحجم سلمان رشدي الذي يستحق من وجهة نظري جائزة نوبل منذ روايته الأولى ضحية للجهل فذلك يشبه الجهل الذي خيم على الروس والأوكران معا حين اعتقدا أن الحرب ضرورية لتستمر الحياة في البلدين. وها هي الحرب تستمر في الوقت الذي تنقص فيه أسباب الحياة، لا بالنسبة لروسيا وأوكرانيا حسب، بل وأيضا بالنسبة للعالم الذي يتعامل معهما.

فجأة اكتشف الجمهور أن الحبوب والغاز يأتيان من هناك لذلك شعر بالوجع الذي لم يشعر به حين تعرض سلمان رشدي للطعنات المسمومة بالحقد. علينا إذاَ أن نفكر في مصير شكسبير ودستوفيسكي وراسين وجيمس جويس ومارسيل برست والمتنبي وأدونيس والسياب.

سلمتنا حرب أوكرانيا إلى مونديال قطر لذلك لم يسأل أحد عن مصير سلمان رشدي الذي يُفترض أن يكون رسول إنسانيتا المؤجلة. أما كان حريا ببوتين وزيلنيسكي أن يسألا رشدي عن ضرورة حربهما؟ لقد شعرت بالدهشة لأن صورة رشدي لم تُرفع في مونديال قطر. هو عنوان لحق الإنسان في التعبير. 

لقد تعرضت الإنسانية من خلاله لعدوان بشع هو جزء من الحرب على الحرية. حرية التعبير.

من الصعب الحديث عن مجرم واحد هو الذي وجه الطعنات إلى سلمان رشدي. هناك سلسلة من المجرمين، تمتد من الخميني الذي أصدر فتواه في قتل رشدي إلى أصغر تلميذ في المدرسة الخمينية التي لا تزال قائمة حتى الآن، ليس في إيران وحدها، بل في جميع الدول التي تنشط فيها الميليشيات المدعومة من إيران.

بالنسبة للخمينيين وهم قتلة فإن رشدي هو عدو الله. أما هم وقد احتكروا تمثيل الله فيحق لهم أن يتدخلوا في الإرادة الإلهية. يقطعوا الأوكسجين عن فئة ويهبوه إلى فئة أخرى من غير أن يتعرضوا للمساءلة. هل يُنتظر من المجرم الذي قام بالهجوم على سلمان رشدي على المسرح أن يعترف أنه أخطأ حين أقدم على ارتكاب جريمته؟

خرجت إيران من مونديال قطر مسحوقة بستة أهداف. فيما كانت قد سجلت في وقت سابق هدفا ضد الإنسانية من خلال حادث الاعتداء على سلمان رشدي.

يعرف الخمينيون أن سلمان رشدي ليس كاتبا عاديا. غير أنهم لا يعرفون بأنه لم يكتب رواية "آيات شيطانية" كرها في الإسلام. ذلك عمل أدبي خيالي لا يناقش التاريخ ولا يتصدى للمعتقدات. كان رشدي يلعب روائيا. يلعب داخل الحكاية ومن خلالها. مَن قرأ روايات سلمان رشدي الأخرى لابد أن يدرك أن نزعته الروائية هي أكبر من أي انحياز عقائدي. لا ضد ولا مع.

لن يكون سلمان رشدي مسرورا بسبب هزيمة إيران في المونديال. في سره يود لو أن ذلك البلد لم يكن موجودا. لن يكون الخميني حينها موجودا. عدوه الذي انتصر عليه بالرغم من موته. حين كتب روايته لم يكن يفكر في إيران أو الخميني. وحين قضى سنوات طويلة وهو في حالة خفاء عرف أن الخميني لم يكن إلا واجهة لآلاف القتلة التي يمكن أن يقتله واحد منهم.

 كان أشبه بحارس الهدف الذي يتوقع أن هناك كرة لن يصدها. حينها قد تنتهي المباراة. ولكن سلمان رشدي كان يعرف أنه لن يخسر المباراة. هزت كرته شباك الهدف الإيراني من غير أن يقصد. اما السكين التي اخترقت جسده لن يكون في إمكانها أن تمنع القراء من تداول رواياته بكل لغات العالم.