سليمة سواكري أيقونة رياضية وإنسانية
لعلّ أشد ما يحتاج إليه الإنسان بين الفينة والأخرى، هو أن يقف في زاوية النور ويمنح لذاته «هدنة» وينتقل إلى خاصية التأمل في القصص الإنسانية، وما تحمله من تجارب شديدة الثراء عن إرادة الإنسان عبر الزمان والمكان، والتقوّت برسائل الحُب والأمل والإيمان والعزيمة، والسلام التي تشع من هذه القصص.
فالحياة فعل مغامرة واكتشاف، وتحمل في جوهرها قانون الحركة. الحياة رواية والإنسان بطلها والأحداث حبكتها الإبداعية، أما أجمل القصص الإنسانية فتلك التي نصنعها بأيدينا أو التي تصل إلينا من آخرين بمحض الصدفة، هذه القصص تنبه الوعي إلى ما غفل عنه العقل من زوايا مختلفة للحياة، نظراً لانغماسه في الهزائم اليومية التي تحاصره كل يوم، واستسلامه لفخ الرتابة، والوقوع في الأمان العاطفي النمطي الذي يخشى معه تغيير عاداته متحاشيا المغامرة.
أؤمن أن لا شيء يحدث صدفة، فبراعة القدر في صياغة التفاصيل والوقت ومكان اللقاء لا تضاهيه أي براعة بشري مبدع، ولعل أجمل ما حدث لي وأنا عالقة بالجزائر لمدة ثلاثة أشهر أترقب بوجع وصبر أي فرصة لعودتي إلى مصر، جراء جائحة كورونا التي شلت العالم وأغلقت المطارات، أنني تعرفت إلى الأيقونة الجزائرية سليمة سواكري، والتي تمثل بحق ما قالته غادة السمان: "هناك أشخاص عندما تلتقي بهم، تشعر وكأنك التقيت بنفسك"، وأيضا كما قال شمس التبريزي: "قد يأْتيك الحظُّ عَلَى هيْئة شخصٍ ترَى نفْسكَ منْ خلالِه"، فلقد كانت سليمة سواكري حظي الجزائري، إن وجودها واهتمامها ودعمها وحرصها على التواصل معي رغم انشغالاتها وتخصيص وقتها لعابرة عالقة قد خفف عني وهون علي بعض الجوائح الأخرى التي كنت أواجهها سرا.
ما أود قوله إن سليمة سواكري ليست فقط أسطورة جودو جزائرية حققت إنجازات قارية ودولية وشرفت الجزائر في المحافل الدولية على مدار سنوات وسنوات، فهي أيضا أسطورة كفاح استثنائية، ونموذج نسوي رائع يشرف كل امرأة جزائرية وعربية. وكل من يعرف هذه السيدة يعرف أيضا أنها أسطورة حب لا ينضب وعطاء غير مشروط ونبل وخير، وقامة إنسانية قائمة بذاتها وعابرة للقارات وتستحق بحق كل تتويج.
ودون شك فإن تبوأها لمنصب وزيرة منتدبة مكلّفة برياضة النخبة هو إضافة نوعية في الشأن الرياضي بالجزائر، فالمرأة ذات "القلب الأبيض والحزام الأسود" والتي صنعت التغيير في حياتها وأثرت في حياة العديدين من حولها القريبين والبعيدين بفضل تجربتها وتفانيها في عملها ومبادراتها الإنسانية وجهودها وخبراتها، ستصنع علامة فارقة في هذا المجال أيضا. فهنيئا للجزائر بهذه الأيقونة الرياضية والإنسانية.
.