سوريا على خط الزلازل

أخفق بشار الأسد في أن يختصر المسافة بينه وبين الشعب ليؤكد براءته من الماضي.

منذ متى لم تكن سوريا على خط الزلازل؟ في البدء كانت الانقلابات هي التي رسمت صورة قاتمة لطريقة تداول السلطة بين المغامرين. وحين أمسك بها حافظ الأسد بعد تسلله من وزارة الدفاع إلى قصر الرئاسة نجح في أن يضع لمسات الحلقة الأخيرة التي يمكن اعتبارها الحلقة الأسوأ من بين حلقات المسلسل.

أقام الأسد دولة شبيهة به، عاجزة عن القيام بأي شيء سوى العنف المبطن أو المستتر. ما من سوري إلا ويروي لك حكايته مع السجون والمعتقلات والتوقيفات والمطاردات وشتى أنواع الإهانة والإذلال والقمع وصولا إلى الإبعاد والعزل والتجويع. سوريا الأسد لم تكن استحقاق شعبها المبدع والخلاق والمثابر والناجح في مختلف أصعدة الحياة. كانت تلك الدولة أقل بكثير من القدرات المتاحة لذلك الشعب.

في كل الحسابات كانت سوريا الأسد خطأً تاريخيا دفع ثمنه الشعب السوري عبر أكثر من خمسين سنة. وحتى في وصيته كان الأسد قد اختار أن يُطعم الشعب السوري وجبة فاسدة أعدها بنفسه عبر عقود لن يكون فيها حاضرا. كان هناك مَن تعامل مع التوريث بكثير من السذاجة والعفوية فاعتقد أن الابن سيكون شابا ديمقراطيا ومعاصرا فإذا بذلك الإبن مجرد نسخة مهترئة ورثة من الأب وإذا بسوريا تبقى عالقة بذلك الشعار الأسود الذي يرسم مستقبلها إلى الأبد في ظل حكم عائلي جعل منه الحزب هذه المرة سدا منيعا يحميه من الشعب.

صُدم ذلك البعض المتفائل بالتحديث الذي بشر به الإبن حين رأى الدبابات تتجه عام 2011 إلى درعا وكانت تلك هي بداية سقوط الجميع في الفخ. فمن مواجهة الاحتجاجات بالسلاح إلى تسليح الثورة امتد خيط المؤامرة التي ساهم نظام الأسد في حياكة خيوطها. هناك مَن يقول أن الأسد الأب وهو قاتل صامت لو كان حيا وهو الماسك بزمام الأمور لما انزلق بسوريا إلى الهاوية وقد كان الأميركان قد كشفوا عام 2003 بعد احتلال العراق عن نيتهم لإسقاط نظامه.

ربما يكون ذلك القول صحيحا غير أنه يظل نوعا من الوهم الذي لا ينفي الحقيقة. حقيقة أن سوريا قد انتهت إلى المصيدة وصارت صيدا سهلا. وبدلا من أن تعوض الولايات المتحدة بشكل مباشر فشلها المدوي في العراق الذي أسقطت نظامه السياسي وفتحت الباب لعدوتها إيران لتهيمن عليه أوعزت لحلفائها القيام بتجهيز فرق الإرهاب القادمة من مختلف انحاء العالم بكل ما تحتاجه من سلاح وأموال ومعدات وأغذية.

الغريب في الأمر أن النظام السوري كان قد سبق الجميع في الحديث عن مؤامرة تستهدف سوريا غير أن ذلك لم يمنعه من التسريع من وتائر مشاركته في تلك المؤامرة التي توهم الكثيرون بسبب تاريخ النظام في الكذب أنها كانت من أوهامه أو واحدة من أكاذيبه. كان الرئيس الشاب في خطابيه اللذين ألقاهما بعد أن اتسع نطاق الاحتجاجات قد كشف عن غباء سياسي تعالى من خلاله على الشعب رافضا الاعتراف بحقيقة أن الشعب الذي خرج إلى الشوارع محتجا ما كان يفعل ذلك إلا مضطرا بعد أربعين سنة من القمع المنظم والقتل الممنهج.       

لم يدرك بشار الأسد أن زمن صلاحية حكم عائلة الأسد كان قد انتهت صلاحيته وأنه كان يحكم في الوقت الضائع وأن وجوده في السلطة كان بمثابة ذريعة لتدمير سوريا من الداخل وإن لم يكن ذلك كافيا فإن شركات أمنية (القاعدة وأخواتها) يمكن أن تتدخل من أجل أن تتسع دائرة الخراب والدمار. وهو ما حدث فعلا بعد أن أصرت بعض قوى المعارضة على تسليح الثورة فوقعت الحرب.

هل كان بشار الأسد غافلا عن أن نظامه كان قد وضع سوريا على خط الزلازل قبله ومن خلاله؟

سوريا التي ورثها الأسد الإبن كانت عبارة عن لغم يمكن أن ينفجر في أية لحظة. فما فعله الأسد الأب في إهانة الشعب السوري وإذلاله وقمعه ترك آثارا عميقة في الذاكرة الشعبية التي لم يسع الأسد الإبن إلى تحييدها من خلال بث روح نضارة جديدة فيها. وإذا كان الأسد الإبن مجرد واجهة لحكم الحزب أو لم يكن كذلك فقد أخفق الرجل في أن يختصر المسافة بينه وبين الشعب ليؤكد براءته من الماضي. في كل ما فعله أكد أنه إبن ذلك الماضي الذي يكرهه السوريون وأن الزلازل التي صنعها نظام ابيه لا تزال ممكنة في ظل حكمه.