سياسيو إيران وذكاؤهم الملفق

يظن المراهنون على الذكاء الإيراني بأن الاتفاق الصيني مع السعودية سيكون نافذة إيران التي ستخرج من خلالها إلى العالم بعد أن أغلقت في وجهها كل الأبواب.

يظن البعض أن السياسيين الإيرانيين يتمتعون بذكاء، يحول دون وقوع إيران في صدام مباشر مع الأقوياء من خصومها. وهو ظن يتستر على حقيقة أن أولئك الخصوم قد غضوا الطرف عن الكثير من الأفعال المجنونة التي قام بها النظام الإيراني في أوقات سابقة، الأمر الذي ألحق أضرارا هائلة بدول المنطقة. فليست التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للعراق ولبنان واليمن وسوريا خافية على العقل السياسي الغربي الذي لا يعنيه في شيء لو قيل إنه يكيل بمكيالين.

لذلك فإن الصمت الغربي عما تفعله إيران لا علاقة له بمستوى الذكاء لدى سياسييها الذين يشيعون كذبة ذكائهم ويروجها أتباعهم بعد أن يصدقوها. وليس خافيا على سياسيي الغرب الذين تفاوضوا في فيينا بحثا عن سبيل للوصول إلى إتفاق نووي جديد كم كان الوفد الإيراني يكذب من أجل تأخير التوقيع على اتفاق قد يلزمهم بأشياء لا يرغبون في الالتزام بها على المدى المستقبلي.

ولأن إيران تعرف من خلال تجاربها السابقة أن ردود الأفعال الغربية المباشرة لا تمت بصلة إلى ما يقوله الإعلام فإنها لم تتراجع عن سياساتها العدوانية القائمة أصلا على مبدأ تصدير الثورة الذي هو غطاء طائفي لتمدد استعماري من نوع جديد. تلك صورة العراق الذي حُرم من سيادته بعد أن صارت السلطة فيه حكرا على طبقة سياسية فاسدة لا يهمها سوى الحفاظ على مصالح إيران. دولة فاشلة صنعتها الولايات المتحدة لتتركها في عهدة إيران من خلال وكلائها. تلك واحدة من انجازات الغرب الذي يردد إعلامه أن إيران أكثر خطرا من كوريا الشمالية على الأمن العالمي.

ليس هناك أي قدر من الغباء في السلوك الغربي في مواجهة إيران. لسنوات طويلة سعت أوروبا إلى أن تمد إلى إيران حبل الخلاص من العقوبات الأميركية. ما الذي فعلته إيران ردا لذلك الجميل؟ أسقطت مضاداتها الجوية الطائرة المدنية الأوكرانية ولم يحدث ذلك عن طريق الخطأ. كان هناك قرار بإسقاط الطائرة. اما حين قصفت إيران منشآت شركة أرامكو السعودية فقد كان ذلك تهديدا حقيقيا لإمدادات النفط العالمية. هل حدث ذلك عن طريق الخطأ؟ كانت ردود الفعل باردة. لقد تُركت المملكة العربية السعودية تواجه مصيرها. كان ذلك درسا قاسيا.

هل كان الإيرانيون أذكياء حين أسقطوا الطائرة الأوكرانية وحين قصفوا منشآت النفط السعودية؟ أما لأن إيران لم تُعاقب فذلك شأن آخر. شأن يتعلق بسياسة الكيل بمكيالين. وعلينا هنا أن نتذكر الأسباب التي طرحها الأميركان لغزوهم العراق والتي تبين في ما بعد أنها كانت مجموعة من الأكاذيب التي لُفقت كما اعترف وزير الخارجية الأميركي في حينها كولن باول. لم يفعل العراق عشر ما تفعله إيران لكي يستحق العقاب الذي أزاحه من التاريخ وألحقه بإيران.

تزعم إيران أنها ساعدت الأميركان في احتلال العراق وأنهم لولاها لما تمكنوا من تدميره. ولكن قرار الغزو كان أميركيا والقوة العسكرية الجبارة كانت أميركية ولم يكن لإيران دور سوى في السماح لميليشياتها في اجتياح الأراضي العراقية بعد أن فتح الأميركان الحدود لها. وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية التي تفرض على المحتل مهمة الحفاظ على سلامة الأراضي التي يحتلها. لقد خرقت الولايات المتحدة القانون الدولي بعد أن خططت لإيران دورها في إداء المهمات القذرة في العراق.

والآن يظن المراهنون على الذكاء الإيراني بأن الاتفاق الصيني مع المملكة العربية السعودية سيكون نافذة إيران التي ستخرج من خلالها إلى العالم بعد أن أغلقت في وجهها كل الأبواب. وهو ما يشبه الأمنية. فما لم تتخل إيران عن سياساتها العدوانية فإنها ستظل تدور في مكانها. لن تطلق إيران مبادرة حسن نية في اليمن على سبيل المثال. ذلك ما تحتاجه، ولكن ذكاء سياسييها لا يصل إلى ذلك المستوى. فهو ذكاء مرتبط بإرادة الولي الفقيه التي هي إرادة مغلقة على مسلمات وضعها زعيم الثورة الخميني وآمن بها الحرس الثوري الذي يرعى العقيدة.

إيران في حقيقتها دولة متخلفة بسبب نظامها العقائدي الذي لا يؤمن بالقوانين الوضعية ولا يعترف بالقوانين الدولية وليس في دستوره ما يشير إلى الحدود المسموح له بالتحرك داخلها. فالجمهورية الإسلامية لا حدود لها وهو ما يعني أن الخطر الإيراني سيكون ماثلا في أية لحظة. فهل سيظل الغرب غافلا عن تلك الحقيقة؟