سيوة واحة ضربت شهرتها الأصقاع قبل فجر التاريخ

كتاب 'سيوة في كتابات الرحالة البريطانيين من 1792-1920' ترجمه كل من د.محمد عزب ود.مي موافي لستة من الرحالة البريطانيين في محاولة جادة لتوثيق أهم رحلات البريطانيين من وإلى هذه الواحة عبر قرابة قرن وربع من الزمان

يعرض هذا الكتاب "سيوة في كتابات الرحالة البريطانيين من 1792-1920" الذي ترجمه كل من د.محمد عزب ود.مي موافي لستة من الرحالة البريطانيين الذين زاروا واحة سيوة وخطوا عنها في كتاباتهم خلال الفترة بين عام 1792م وحتى عام 1920م في محاولة جادة لتوثيق أهم رحلات البريطانيين من وإلى هذه الواحة عبر قرابة قرن وربع من الزمان.

وقد لجأ المترجمان إلى الترجمة الطولية لاستخلاص الأجزاء المكتوبة عن سيوة فقط مع ترك فصول أخرى تتناول أقطارًا وموضوعات شتى. نلاحظ تباين آراء الرحالة في بعض الأحيان وهذا أمر طبيعي نظرًا لاختلاف التوقيتات التي زاروا فيها الواحة، ناهيك عن التطور الطبيعي للأشياء مع دوران عجلة الزمن، كما لا نستطيع أن نغفل وجهات النظر الشخصية والتي لا تتسم دومًا بالموضوعية المطلقة أو الحيادية المجردة.

يوضح المترجمان في الكتاب الصادر ضمن سلسلة أوراق تاريخية، هي سلسلة جديدة بدأتها دار العربي أن "كلمة "واحة" هي كلمة عربية محرفة من المصرية القديمة "وحات". و"سيوة" هي واحة "جوبيتر – آمون" والآمونيون هم سكانها، نسبة إلى آمون أو "الأوراكل" وهو معبد يقع في منطقة "أجورمي" ويُعرف أيضًا بمعبد الوحي أو معبد التنبؤات أو معبد الإسكندر.

من الأماكن المميزة أيضًا في سيوة "معبد أم عبيدة وقلعة شالي وجبل الدكرور وجبل الموتى وحمام كليوباترا وعين فارس وبئر ربيع الحار وجزيرة فطناس".

"سيوة" وسط واحات! ما من شك أنه لا توجد واحة في شمال إفريقيا لديها هذا العدد من السكان وتحتفظ بتراثها العريق الذي يمثل خطًا واحدًا على مدار التاريخ. على الرغم من قربها من بوابات أوروبا فإن التأثير الغربي ليس طاغيًا، وعلى الرغم من مواضع الجذب السياحي فيها، لم يقدم الرحالة الأوروبيون على زيارتها إلا ما ندر، وإني لأتساءل حقًا عن سبب ذلك. طبيعتها خلابة. أساطيرها ترقد في أساساتها. ضربت شهرتها الأصقاع قبل فجر التاريخ. آثارها محفوظة حتى يومنا هذا في شكل تماثيل محطمة وأعمدة مكسورة وأطلال كانت الرمال لها كفنًا لائقًا".

تقع سيوة غرب النيل بمسافة تٌدر بأربعمائة وخمسين كيلو تقريبا، بينما تبعد عن ساحل البحر المتوسط في الشمال بنحو ثلاثمائة كيلو. وأما عن طرق الوصول إلى واحة سيوة قديمًا وحديثا فحوالي ستة نُجملها كما يلي وكما تبينها الخريطة المرفقة. القادم من الشمال: الإسكندرية بمحاذاة الطريق الساحلي الشمالي حتى مطروح ثم الانعطاف جنوبًا (طريق الإسكندر). القادم من الجنوب: طريق الواحات الجنوبية (طريق جيش قمبيز) الذي يبدأ من الخارجة مرورًا بالداخلة والفرافرة وصولًا إلى سيوة. القادم من الشرق (العاصمة): هناك طريقان أحدهما يبدأ من الفيوم مرورًا بوادي الريان ثم الباويطي والبحرية ومنها إلى سيوة. أما الآخر فيبدأ من وادي النطرون ويتجه غربًا نحو واحة القارة ثم سيوة وهو الطريق الذي أخذته حملة محمد علي باشا عكسيًا في رحلة العودة إلى سيوة عام 1820.

القادم من الغرب: طريق السلوم – سيوة (مسرب الشجة) وهو الطريق الذي أخذه "أحمد محمد حسنين بك" بالرغم من أنه كان قادمًا من الإسكندرية. وأخيرًا هناك أيضًا الطريق الذي أخذه الرحال الإسكتلندي "جيمس هاميلتون" من واحة "جالو" بليبيا إلى سيوة.

سيوة
لا توجد واحة مماثلة في شمال إفريقيا لديها هذا العدد من السكان وتحتفظ بتراثها العريق

الواحة والشماشيرجي

ويشير المترجمان إلى أن علاقة سيوة بالسلطة المصرية الحاكمة يوضحها كتيب الدبلوماسي البريطاني، توماس بيمونت هولر، "تقرير حول واحة سيوة"، الذي كتبه عقب زيارة للواحة في شهر يوليو/حزيران من عام 1900.

نبدأ بإخضاع حسن بيه الشماشيرجي الواحة عام 1820 كما سبق ذكر ذلك، ونعلم أنه فرض على سكانها ضريبة تصل إلى 1000 دولار سنويًا.

عام 1827 عاد حسن بيه مجددًا إلى سيوة بعد امتناع أهلها عن دفع الضريبة. استولى الشماشرجي على الواحة وأعدم ثمانية عشر من أهلها وصادر أملاكهم ونفى عشرين آخرين وأخذ معه مجموعة من الرهائن وزاد الضريبة إلى ستة آلاف دولار سنويًا وعشرة آلاف عام 1833. في عام 1835 وصل إلى سيوة مأمور ومعه أربعين جنديًا، لكنه لم يمكث طويلًا ومع مغادرته امتنع السكان عن دفع الضرائب حتى عام 1840 عندما وصلت قوة عسكرية مزودة بالمدافع بقيادة خليل بيه ليستعيد هيبة الدولة ويترك فيها يونس أفندي لإدارة الأمور ومعه خمسين جنديًا، لكنه استُدعي لاحقًا للعاصمة. عام 1857 وصل مأمور جديد لسيوة هو "علي أفندي" ومعه أربعين جنديًا لاستعادة النظام. عام 1869 بدأ تطبيق نظام العمودية وكان أول عمدة هو سعيد أبو دراع، لكن هذا النظام خلق الكثير من المشاكل في الواحة وأخطرها تمرد حسونة منصور بعد زيارته للقاهرة للتبرم عام 1883 وتحصنه بعد عودته وتفاقم المشاكل التي تورط فيها المأمور حسن بيه شريف عام 1893، لذا استُدعي إلى القاهرة ليخلفه إبراهيم بيه عبد الله، لكنه لم ينجح في تحقيقالاستقرار لا هو ولا خلفه.

عام 1896 تولى مصطفى بيه ماهر مقاليد الأمور في الواحة. في بداية عام 1897 نشب نزاع كبير بين الشرقيين والغربيين في الواحة. نجح مصطفى بيه في نزع فتيل الأزمة في البداية، لكن الأمور أخذت في التأزم. خلفت الاشتباكات قرابة مئة قتيل وخمسين جريح من الطرفين. كان من بين القتلى حسونة منصور، ذلك المشاغب المتمرد الذي تورط في الهجوم على الرحالة الإنجليزي، السيد "بلنت".

ويتابعان أنه استنادًا على ما تقدم، فقد ظلت واحة سيوة خارج الزمان والمكان لفترة طويلة ولا أدل على ذلك من أن المستكشف الإيطالي الشهير، بلزوني، وصل إلى الواحات البحرية ظنًا منه أنها سيوة، لقد ظلت هذه الواحة النائية أيضًا خارج التغطية فعليًا، بل قل خارج السيطرة المطلقة حتى مطلع القرن العشرين، يؤكد ذلك ما كتبه عالم الآثار الراحل د. أحمد فخري في كتابه "واحة سيوة"، عن وجود علاقة غامضة بين مأمور سيوة، محمود عزمي، وتدمير معبد "أم عبيدة" أواخر عام 1897 واستخدام حجارة المعبد في تشييد سلالم بيته دون رقيب أو حساب! حاول بهاء طاهر في روايته "واحة الغروب"، تبييض وجه صاحب الواقعة وردها إلى الصراع بين الشرق والغرب، إن هذه الواقعة في حد ذاتها تشير إلى مدى العزلة التي لفت الواحة الأشهر وانفلاتها والانشغال عنها وإهمالها ومدى الاستهانة بآثارها، لكن سيوة كانت موعودة بالأفضل.وقد رد في مجلة "الرسالة" أنه في العام 1905 زار الخديوي عباس الثاني الواحة. في عام 1910 ضربت الكوليرا إقليم طرابلس فأرسلت الحكومة المصرية النقيب ستانلي إلى واحة سيوة ليقف على حقيقة الأمر من خلال تقرير رسمي.

كما أنه خلال الحرب العالمية الأولى شهدت سيوة جانبًا من الصراعات بين الإنكليز من جهة والأتراك والألمان والسنوسيين من جهة أخرى وذلك بين عامي 1915 و1917في عام 1926 بدأ تسيير المركبات بين مطروح وسيوة، وفي عام 1928 زار الملك فؤاد الواحة.

وفي عام 1937 أُنتج فيلم تمثيلي عن واحة سيوة، وهو مفقود للأسف الشديد، في عام 1942 لفت نزول "روميل" للواحة النظر إلى أهميتها الاستراتيجية خلال تقدم الألمان والإيطاليين نحو العلمين.