شخصيات فلسطينية تهاجم عباس بسبب تصريحاته حول المحرقة

مثقفون وكتاب وسياسيون فلسطينيون يؤكدون أن الشعب الفلسطيني مثقل بما فيه الكفاية دون أن يضطر إلى تحمل التأثير السلبي للروايات الجاهلة والمعادية للسامية.

رام الله (الأراضي الفلسطينية) - وقعت أكثر من 200 شخصية فلسطينية عريضة تنتقد تصريحات الرئيس محمود عباس "المستهجنة أخلاقيا وسياسيا" حول المحرقة النازية.

وقال الرئيس الفلسطيني قبل نحو أسبوعين في اجتماع للمجلس الثوري لحركة فتح "عندما قالوا أن هتلر قتل اليهود لأنهم يهود وأن أوروبا تكره اليهود لأنهم يهود ... غير صحيح". وأضاف "شرحت بالضبط أنهم (الأوروبيون) حاربوا هؤلاء (اليهود) بسبب وظيفتهم الاجتماعية وليس بسبب ديانتهم".

وجاء في العريضة "ندين بشكل لا لبس فيه التصريحات المستهجنة أخلاقيا وسياسيا التي أدلى بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حول المحرقة".

وأضاف الموقعون وهم مثقفون وكتاب وسياسيون "نرفض بشدة أي محاولة لتقليل أو تحريف أو تبرير معاداة السامية أو الجرائم النازية ضد الإنسانية أو التحريف التاريخي فيما يتعلق بالمحرقة".

ومن بين الموقعين على العريضة عضو الكونغرس الأميركي رشيدة طليب والمؤرخ رشيد الخالدي والباحثة نورا عريقات وغيرهم من الشخصيات الفلسطينية، وجزء كبير منهم يعيش في الخارج.

وأضافت العريضة المفتوحة أن “الشعب الفلسطيني مثقل بما فيه الكفاية بالاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي والسلب والاحتلال والقمع دون أن يضطر إلى تحمل التأثير السلبي لهذه الروايات الجاهلة والمعادية للسامية بشدة والتي يديمها أولئك الذين يدعون أنهم يتحدثون باسمنا”.

وجاء فيها أيضا: "لقد خسر عباس وحاشيته السياسية أي ادعاء بتمثيل الشعب الفلسطيني ونضالنا من أجل العدالة والحرية والمساواة، وهو النضال الذي يقف ضد جميع أشكال العنصرية والقمع الممنهجين".

وأفادت دانا الكرد وهي أستاذة في السياسة وأحد الموقعين على الرسالة: "إذا ادعى شخص ما أنه يتحدث باسمي وقال شيئًا بغيضًا، فسوف أغتنم كل فرصة لأقول: "أنت لا تتحدث نيابة عني".

من جهته، قال الناشط سامي بحور وقد وقع أيضا على العريضة إن "كلام (عباس) ليس في مكانه وهناك قضايا أهم، ليس دوره أن يعطي دروسا في التاريخ".

وأضاف بحور الذي يرى أن لا شرعية لعباس "هناك انهيار في المجتمع ... البلد تحترق جراء أفعال المستوطنين والاحتلال".

وقالت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها، أن تعليقات عباس التي تم الإدلاء بها الشهر الماضي أثارت ضجة دولية بعد ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ونشرها الأربعاء الماضي من قبل معهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط، وهي منظمة مراقبة صحفية مؤيدة لإسرائيل ومقرها الولايات المتحدة.

واعتبر الاتحاد الأوروبي التصريحات "كاذبة ومضللة بصورة صارخة حول اليهود ومعاداة السامية. واتهمه بتشويه التاريخ وتعزيز الصور النمطية المعادية للسامية.
وفي واشنطن عبرت مبعوثة الرئيس الأميركي لمكافحة معاداة السامية ديبرا ليبستادت عن صدمتها من تصريحات عباس وطالبته بالاعتذار، وقالت ليبستادت إن تلك التصريحات "تشوه المحرقة وتعرض بصورة كاذبة الرحيل المأسوي لليهود من الدول العربية، وإنني أدين هذه التصريحات".

كما وصفت وزارة الخارجية الألمانية تلك التصريحات بـ "الفظيعة والمروعة"، وقالت إنها "تسهم في نشر نظريات المؤامرة وتشويه التاريخ وتتعارض مع كل الجهود المبذولة لقول الحقيقة".
وأعربت القنصلية الفرنسية في القدس عن استيائها واعتبرتها “غير مقبولة على الإطلاق”، وقامت آن هيدالغو، عمدة باريس، بتجريد الزعيم الفلسطيني منذ فترة طويلة من أعلى وسام في المدينة نتيجة لهذه القضية.

وأصدر داني ديان، رئيس مؤسسة "ياد فاشيم" لتخليد ذكرى المحرقة، بياناً ندّد فيه بما تضمّنه تصريح الرئيس الفلسطيني من "أفكار نمطية معادية للسامية". وأضاف في بيان "لا يمكننا أن نبقى صامتين".

وقد دفع الهجوم على تصريحات عباس الرئاسة الفلسطينية إلى إصدار بيان أشار إلى أنها "مجرد اقتباسات من كتابات لمؤرخين وكتاب يهود وأميركيين"، مشددة على أن تلك التصريحات "لا تشكل إنكاراً بأي شكل من الأشكال للمحرقة النازية"، ومجددة "الإدانة الكاملة للمحرقة ورفض معاداة السامية".

واستنكر المتحدث باسم عباس، نبيل أبو ردينة، ما اعتبره “الحملة المسعورة” ضد الرئيس الفلسطيني، قائلا إن موقف الزعيم “واضح وموثق، وهو الإدانة الكاملة للمحرقة ورفض معاداة السامية”.
وحركة فتح التي يتزعمها عباس وصفت العريضة بأنها "بيان عار". وقالت إن الموقعين عليه "يتساوقون في مضامين بيانهم الافترائي مع الرواية الصهيونية".

أما المجلس الوطني الفلسطيني فأكد في بيان أن العريضة تمثل "انحدارا أخلاقيا" وتتبنى "أكاذيب الإعلام والرواية الإسرائيلية المصطنعة ضد رئيس دولة فلسطين محمود عباس، للنيل من رأس الشرعية الفلسطينية".

كما ورفض المجلس الذي يعد بمثابة برلمان فلسطيني وهيئة تشريعية تمثيلية للفلسطينيين "ممارسة هذا الإرهاب السياسي والفكري على شعبنا".

وعباس، الذي تم انتخابه في البداية لولاية مدتها أربع سنوات في عام 2005، لا يحظى بشعبية كبيرة في الداخل. وانتهت ولايته في العام 2009 لكنه استمر في المنصب من دون إجراء انتخابات.  حيث ألغى في العام 2021 الانتخابات التشريعية والرئاسية متعذرا بعدم سماح إسرائيل بإجرائها في القدس الشرقية التي تحتلها منذ العام 1967.

وتواجه السلطة الفلسطينية اتهامات بانتظام بقمع منتقديها بعنف، والفساد المستشري، والتعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية ضد شعبها.
وعلى الرغم من أنه يُنظر إلى عباس على أنه مهندس رئيسي لعملية أوسلو للسلام في التسعينيات وكان من أوائل مناصري فتح للحوار مع الإسرائيليين، فقد اتُهم بمعاداة السامية في مناسبات عديدة.

وفي الثمانينيات، أثناء إقامته في موسكو، كتب أطروحة تم فضحها كثيرًا تدعي أن الصهاينة تعاونوا مع النازيين خلال المحرقة، والتي نأى بنفسه عنها منذ ذلك الحين. ومع ذلك، في العلن وفي السر، أدلى عباس بشكل متكرر بتصريحات معادية للسامية على مر السنين.

وفي شهر مايو/أيار، اقترح الرئيس الفلسطيني أوجه تشابه بين إسرائيل وألمانيا النازية. وفي العام السابق، أثار غضباً دولياً بعد أن زعم ​​أن إسرائيل نفذت "50 محرقة" ضد الفلسطينيين خلال مؤتمر صحفي في برلين مع المستشار الألماني أولاف شولتس.