شمس العراق.. حكاية وطن منكوب

صرخة شمس وصلت إلى محمد بن زايد فإستجاب لِندائها رغم بُعد المسافات، لكنه تقارب القلوب الرحيمة التي تعرف ماذا يعني إنقاذ حياة بريئة من براثن الموت.

حتى قطرة الغيرة التي تتوسّد جِباههم قد جَفّتْ، لم يتعوّدوا ذلك الحَياء الذي يُشعِرهم بالخجل حين غابتْ عن مُحيّاهم تلك النخوة والشهامة والغيرة التي يتحلّى بها وِلاة الأمرِ والزعامة.

كرامتهم الميّتة سريرياً لم تعُد تنفع معها كُل تلك الصعقات الكهربائية أو صُراخ وأنين من يستنجد بهم بعد أن أصبح حضورهم وإفتقادهم مُماثلاً.

طفلة عراقية تُدعى شمس لا يتجاوز عُمرها الربيع الثاني من سنواتها، تحمل كُل براءة الطفولة التي إغتصبها هؤلاء الأشباه، لم تُسعفها كُل المُناشدات وحتى التوسلات لإنقاذها من مرض ضمور عضلات الحبل الشوكي الذي أقعدها طريحة الفِراش تنتظر من يُنجدها من أولئك المارقين أو هكذا ظنتْ تلك الطفلة أنّ من تُناشدهم عراقيين أُصلاء تحمل ثناياهم معاني الرِجولة والنخوة وسُرعة الإستجابة، لكنها كانت واهمة فهؤلاء كانوا في أحسن الأحوال أشباه الرجال وهم ينظرون إليها راقدة تتلّوى من الألم على سرير المرض.

صَمّوا آذانهم عن أنين وصُراخ الطفلة شمس، بل لم يُحاول أحدهم مُساعدتها أو التخفيف من آلامها، وحتى المُساهمة في علاجها، إلى أن وصلت صرختها إلى الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الذي بادر بنخوة العربي حين يُستنجد به إلى التكّفل بعلاج الطفلة شمس وصلت كلفته إلى مليوني دولار.

في بلد النَهب واللفط مثل العراق لا يُساوي هذا المبلغ ليلة صاخبة يقضيها أصغر مسؤول حكومي في أحد النوادي الليلية، ولايُعادل هذا المبلغ أثمان تبضّع زيارة واحدة لإبنة أحد المسؤولين من أحد متاجر وماركات لندن وباريس.

أكثر من مليارين ونصف المليار دولار تم تهريبها إلى خارج البلد من قوت الشعب والضرائب التي يدفعها للدولة بدون حسيب أو رقيب، لكن عندما تعلق الأمر بعلاج شمس وقف الجميع عاجزاً عن مُساعدتها.

قبل سنوات أُثير للرأي العام موضوعاً إستغلّه العراقيين فُرصة للمُزاح والسُخرية الحزينة للترفيه عن واقعهم القاتم حين أعلنت الحكومة عن تلف مبالغ نقدية وضياعها تُقدّر قيمتها بستة ملايين دولار في البنك المركزي العراقي بسبب تعرضها إلى مياه الأمطار والمجاري وسوء خزنها مما حدى بالإدارة إلى إتلافها، في حين كان المطر المُنهمر في ذلك الوقت يتسبب في هدم سقوف المدارس على رؤوس طُلابها دون أن تشعر السُلطة ولو بقليل من الحَياء والخجل.

قولوا ما شئتم وإكتبوا كُل توصيف يحلو أن تستعين به الذاكرة حتى ولو كان إتّهاماً لهذه السُطور بالنِفاق والرِياء، لكن تذّكروا ولو لِوهلة سريعة ماذا يعني إنقاذ حياة طفلة بريئة من الموت، وأنتم تنظرون إلى أطفالكم ماذا تعني نظرات أب وأم ينظرون إلى طفلتهم وهي تستعد لإستقبال ملك الموت بدون مُنقذ أو حل.

صرخة شمس وصلت إلى محمد بن زايد فإستجاب لِندائها رغم بُعد المسافات، لكنه تقارب القلوب الرحيمة التي تعرف ماذا يعني إنقاذ حياة بريئة من براثن الموت.

أم شمس وقفتْ أمام الإعلام وهي تُعلن شُكرها وإمتنانها لِمُبادرة محمد بن زايد وكيف أنقذ طفلتها وإنها ستكون مُمتنّة طيلة حياتها بعد أن أشرقت أنوار وجه شمس لِتعود للحياة رويداً.

لم يتحدث الإعلام كثيراً عن هذه المُبادرة، بل كان هُناك تعمّد بعدم الإشارة إليها.

كُل الخِزي والعار لِمن رأى وسَمِع الطفلة شمس وهي تصرخ من الألم وهو يتفرج عليها، أو مسؤول يعيث فَساداً ونهباً للبلد وهو لا يستطيع إغاثة مُغيث.

ربما وجدتْ شمس من يُغيثها، لكن ماذا عن عشرات الآلاف من الأطفال الذين إلتحفهم المرض والعَوَز؟

هل يكفي أن نقول تباً لكم... أعتقد لا.