صحافيو موريتانيا يرفضون وصاية جزائرية تبدأ بالإعلام وتنتهي بالسياسة

الجزائر تدفع منذ سنوات لتوتير العلاقات الموريتانية المغربية ولا تدخر جهدا في افتعال نزاعات ضمن محاولات لكسر عزلة جبهة البوليساريو إقليميا واستقطاب الدعم لطروحاتها الانفصالية.
السفارة الجزائرية بنواكشوط تصف المواقع الموريتانية بـ"المرتزقة"
الصحافيون الموريتانيون يحذرون من محاولات إخضاعهم لخدمة لأجندة سياسية

 نواكشوط - أثار السفير الجزائري لدى موريتانيا محمد بن عتو جدلا بتدخله في الشؤون الداخلية للموريتانيين ومحاولته فرض وصاية على الإعلام الموريتاني في علاقة بالتوتر بين بلاده والمغرب عبر بيان صدر عن السفارة الجزائرية بنواكشوط مؤخرا، انتقد فيه وسائل إعلام محلية بطريقة فجة اعتبرت إهانة للسيادة وخروجا عن العرف الدبلوماسي.

وتدفع الجزائر منذ سنوات لتوتير العلاقات الموريتانية المغربية ولا تدخر جهدا في افتعال نزاعات ضمن محاولات لكسر عزلة جبهة البوليساريو إقليميا واستقطاب الدعم لطروحاتها الانفصالية.

والتدخل الأخير في شؤون الإعلام ومحاولة توجيهه وفقا لأجندة سياسية جزائرية أو أدناه الضغط على وسائل الإعلام الموريتانية يعتبر أحدث حلقة من حلقات التدخل والضغوط التي تمارسها الجزائر في محيطها الإقليمي للتأثير على مواقف دول داعمة لتسوية النزاع في الصحراء المغربية.

وتشمل آلية الطاولة المستديرة التي ترعاها الأمم المتحدة لحل نزاع الصحراء كل من موريتانيا والجزائر بصفتها طرفا في الأزمة إلى جانب جبهة البوليساريو والمغرب، ما يجعل من نواكشوط هدفا جزائريا معلنا في سياق التأثير على التوجه والموقف وأملا في مواصلة تجميد جهود حل النزاع سلميا. 

وانتفض الصحافيون الموريتانيون بقوّة ضد ما أسموه "تطاول" السفارة الجزائرية على بلدهم وتجرؤها على توجيه أوامر إليهم واتهامهم بالعمالة، محذرين مما اعتبروه محاولة تهدف إلى تركيعهم من أجل خدمة أجندة سياسية في إطار مخطط جزائري يبدأ بالصحافة ليصل إلى كبار المسؤولين في بلدهم بما فيهم الوزراء، مطالبة بوضع حد له.

وكانت السفارة الجزائرية بنواكشوط قد شنت في بيان أصدرته مطلع الأسبوع الماضي هجوما حادا على مواقع إعلامية موريتانية ووصفتها بـ"المرتزقة"، مشيرة إلى أنها عمدت إلى محاباة بلد "معاد" على حساب التعاون الإستراتيجي بين نواكشوط والجزائر في علاقة بالتوتر المتصاعد بين الأخيرة والمغرب على خلفية ملف النزاع في الصحراء المغربية.

وذهبت السفارة في بيانها إلى حد التشكيك في مصداقية المواقع الموريتانية، متهمة إياها بتلقي الهدايا والعطايا "المظاريف المالية" وتأشيرات السفر والإعلانات مقابل تجنيدها لخدمة الطرف المغربي.

الجزائر التي ظلت لعقود في قبضة جنرالات الجيش لا تفهم أن موريتانيا متفوقة عليها في ما يتعلقُ بحرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر وهي أشياء لا تُشترى وإنما تُكتسب 

ونفت الصحافة الموريتانية كافّة التهم التي وجهت إليها ودافعت عن نفسها ووطنها ولقيت دعما وتفاعلا واسعا من بعض المواقع والصحف الدولية التي نشرت بيان رابطة الصحافيين الموريتانيين التي نددت من خلاله بما أسمته "محاولة واضحة من السفارة الجزائرية لإقحام نواكشوط في صراعات وهمية"، مستغربة "استهانة السفارة الجزائرية ببلادهم حتى تقوم بإصدار أوامر موجهة إلى السلطات الموريتانية"، واصفة بيانها بأنه "واحد من أغبى البيانات في تاريخ الدبلوماسية بل إنه أكثرها حماقة وصبيانية ولكنه مع ذلك أشدها خطورة".

وقالت الرابطة في بيانها "من الواضح أن الجزائر التي ظلت لعقود في قبضة جنرالات الجيش لا تفهم أن موريتانيا متفوقة عليها فيما يتعلقُ بحرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر وهي أشياء لا تُشترى وإنما تُكتسب والموريتانيون كسبوها بنضال صحافتهم الطويل ضد القمع والتسلط والدكتاتورية والإيداع في السجون".

وحذرت مما اعتبرته "محاولة للتحكم في الصحافة الموريتانية واحتقارها واستعبادها لتخدم أجندتها السياسية" مؤكدة أنها "محاولة مثيرة للسخرية تكشف وجها آخر من وجوه عمل هذه السفارة الذي يثير الخوف والقلق"، مشيرة في المقابل إلى "احترامهم لشعب الجزائر لما يجمعهم به من روابط الدم والقرابة والتاريخ والمصير المشترك".

وتأتي هذه الواقعة بعد فترة وجيزة من التضامن الذي أبداه الصحافيون الموريتانيون مع نظرائهم المغاربة عندما تعرض الوفد الإعلامي المغربي لاستفزازات أثناء تحوله إلى الجزائر لتغطية أعمال القمة العربية الماضية.

وأصدرت رابطة الصحافيين الموريتانيين بيانا أدانت من خلاله وبشدة ما أسمته "التضييق والمعاملة السيئة التي تعرض لها الصحافيون المغاربة من طرف السلطات الجزائرية"، واصفة ذلك بـ"عمل مشين يضرب حرية الصحافة والتعبير في الصميم كما يسئ إلى كرامة الصحفيين".

وتشهد العلاقات الثنائية بين المغرب وموريتانيا خلال الفترة الأخيرة تطورا ملحوظا على مستوى التعاون الاقتصادي وتبادل الزيارات الرسمية وسط توجه نحو إلغاء التأشيرة بين البلدين، ما يؤشر على تقارب لحصول توافقات وتفاهمات في وجهات النظر حول قضايا اعتبرت في السابق سبب توتر بين البلدين وعلى رأسها ملف الصحراء المغربية.