صداقة عربية أميركية فاشلة

أمن إسرائيل جزء من الأمن القومي الأميركي. أما أمن الحلفاء العرب فهو آخر ما يطرأ على الذهن السياسي الأميركي.

لا يحلم العرب بأن تغير الولايات المتحدة موقفها من إسرائيل حين تراها على حق في كل شيء حتى لو حولت حياة الفلسطينيين القابعين تحت احتلالها المباشر وغير المباشر إلى جحيم. أكثر ما يحلم به العرب أن تتخلى حليفتهم الإستراتيجية عن دعم إسرائيل في واحدة على الأقل من جرائمها. لم تفعلها الولايات المتحدة مرة واحدة عبر هذا الزمن الذي يُشك فيه أن دولا عربية سحقتها مؤامرات أدارتها الولايات المتحدة من أجل أمن إسرائيل الذي هو جزء من الأمن القومي الأميركي. أما أمن الحلفاء العرب فهو آخر ما يطرأ على الذهن السياسي الأميركي.

صداقة الولايات المتحدة للعرب هي من النوع المكلف والثقيل وغير المجدي في الأزمات. فهي حطمت العراق ووزعته بين الطوائف وهي تعرف مكانته في الأمن القومي العربي، وتدخلت في سوريا لتبقيها ممزقة وتؤجل سيادتها على أراضيها، وأسقطت نظام العقيد القذافي في ليبيا من غير أن تعين الليبيين على إقامة دولة ديمقراطية بديلة وتركتهم للفوضى التي هي من بقايا الجماهيرية، وهي أيضا لم تشترط على إيران من أجل توقيع الاتفاق النووي أن تكف يدها عن اليمن والعراق ولبنان وسوريا. وإذا ما كانت المعادلات الأمنية قد شهدت تحولا جوهريا حيث صار الخطر الذي يهدد الدول العربية يأتي من إيران وليس من إسرائيل فإن موقف الولايات المتحدة لم يتغير. كما لو أنها ترحب بأي خطر تتعرض له الدول العربية من أجل أن ترى موضوعا للفرجة. لم يُظهر الحليف الأميركي أي شعور بالمشاركة.

يتذكر العرب صداقة الإتحاد السوفييتي السابق وكم كانت حقيقية وصلبة ومؤثرة في السياسة والاقتصاد. لم تكن صداقة شكلية وليست مجرد التقاط صور بين الزعماء في الكرملين ولم يبتز الاتحاد السوفييتي دولة عربية حليفة له، بل كان يضع خدماته ين أيدي أصدقائه وهي خدمات تبدأ من أصغر الاحتياجات إلى الحماية العسكرية وهو ما بدا واضحا في ما قامت به روسيا وهي وريثة السلوك السوفييتي من حماية للنظام السوري من السقوط في مواجهة الهجمة متعددة الجنسيات التي تعرضت لها سوريا والتي كانت بزعامة الولايات المتحدة.

يوما ما كان أصدقاء أميركا من العرب متفائلين بتلك الصداقة. وضعوا كل إمكانياتهم في خدمة تلك الصداقة التي تبين في ما بعد أنها لن تثمر عن شيء إيجابي لصالحهم. ضمنوا للولايات المتحدة مصالحها في المنطقة واثروا شركاتها من غير أن تظهر أي اهتمام بهم لا على مستوى التفكير في الإنسان ولا على مستوى التطوير الحضاري. لقد انحصر تفكير الأميركان في ما يمكن أن يحصلوا عليه من مال يعتبرونه مالا سائبا في حين أن الصديق العربي كان ينتظر منهم ما أثبتوا أنهم غير مستعدين لتقديمه. من الصعب أن يُقال إن العلاقة العربية الأميركية قد انتهت إلى الفشل. ذلك فشل أدرك العرب أن لا علاج له.

في حقيقتها فإن الصداقة التي ربطت العرب بالولايات المتحدة قد جرتهم إلى ارتكاب الكثير من الأخطاء الفادحة وفي مقدمتها خطأ التدخل في أفغانستان هو الخطأ الذي قاد في ما بعد إلى احتضان وتمويل المنظمات والجماعات الإرهابية التي قاتلت في سوريا. كانت خسارة الطرف العربي واضحة أما الربح الأميركي فقد صار على العرب أن يدفعوا كلفته. وهو ما يؤكد أن الأميركي هو عدو بقناع صديق. أهو العدو الذي ما من صداقته بدُ؟ ليس الأمر كذلك تماما. فعالم اليوم ليس عالم تسعينات القرن العشرين يوم انفردت الولايات المتحدة قطبا وحيدا.

في لحظة إلهام سياسي استثنائية أدرك العرب أن العالم الذي يتغير من حولهم في حاجة إلى رؤية عربية تتجاوز الماضي الذي بُني على أساطير القوة الأميركية التي كان يعتقد الكثيرون أنها ستكون نافعة إذا ما استجابت للصداقة. تخطى العرب العقدة الأميركية ومن السذاجة اعتبار التطبيع مع إسرائيل نوعا من العودة إلى تلك العقدة. تلك مسألة مختلفة اكتشف العرب من خلالها أن الولايات المتحدة ماضية في مشروعها الذي يتجاوز حماية إسرائيل والحفاظ على أمنها. ما صار واضحا أن إسرائيل ليست هي عقدة الولايات المتحدة في المنطقة. لا لشيء إلا لأنها لم تكترث بما مارسته إيران من سياسات عدوانية في المنطقة.

بعد تجارب مؤلمة يولي العرب اليوم وجوههم في اتجاهات ليس من بينها الولايات المتحدة.