عقدة دي بومبادور
استطاع علماء النفس أن يستخلصوا من النصوص الأدبية القديمة، ما يعرف بالعقد النفسية، ومن أشهر تلك العقد "عقدة أوديب"، و"عقدة الكترا". وعقدة أوديب مفهوم أنشأه سيجموند فرويد واستوحاه من أسطورة أوديب الإغريقية، وهي عقدة نفسية تطلق على الذكر الذي يحب والدته ويتعلق بها ويغير عليها من أبيه فيكرهه، وهي المقابلة لعقدة إلكترا عند الأنثى. وفي نظرية التحليل النفسي، مصطلح "عقدة أوديب" يدل على المشاعر والأفكار والأحاسيس الجنسية التي تبقى مكبوتة في العقل الباطن للطفل تجاه أمه.
والعقدة النفسية من وجهة نظر مدرسة التحليل النفسي هي "المبعث على تصرفات لا واعية تصدر عن الشخص، أو هي "اتجاه انفعالي لا شعوري لا يبرح يؤثر في التفكير والسلوك على الرغم مما أصابه من الكبت والنسيان".
ويقال إن "العقدة قد تكون ظروفها منسية نسيانا تاماً أو نسيانا جزئياً والشيء المؤكد هو أن الفرد يتعرض لنسيان تلك التفاصيل المهمة المحيطة بنشأة العقدة".
وقد تكون العقدة على قدر كبير من التعقّد عند بعض الأشخاص، فتؤثر في جميع مناحي حياة تلك الشخصية، فعلى سبيل المثال عقدة "إلكترا" قد تؤثر في اختيار الفتاة لزوجها أو امتناعها تماما عن الزواج، فتتجه الأنثى بحبها ورغبتها الجنسية لأبيها وبكراهيتها لإمها.

وهناك عقدة الذنب، أي العقدة التي تسبب الانفعال والشعور بالذنب بسبب القيام بعمل ما يترك أثراً في النفس وتترك ذنباً يلاحق صاحبه ربما مدى حياته. وعقدة الغيرة، وهي الانفعال المفرط والشديد تجاه الآخرين ولها دوافع نفسية عميقة.
وهناك "عقدة قابيل"؛ وهي عقدة كراهية الأخ والانفعال الشديد ضده لأسباب عديدة نشأت جميعها في مراحل الطفولة الأولى، وتصل الرغبة أحيانا إلى قتله، مثلما قتل قابيل أخاه هابيل.
ويرى علماء النفس أن الشخص الذي تتميز شخصيته بعقدة نفسية واضحة يكون صاحب شخصية متدنية، ومعظم الذين لديهم عقد نفسية نراهم يعانون من مشكلات نفسية داخلية، ربما تكون واضحة أحيانا على سلوكهم ويتقبلون لأنفسهم مكانا هامشيا في الحياة، ويعانون من عقد نقص في شخصيتهم.
وهناك الكثير والكثير من العقد النفسية الجنسية وهي الأكثر شدة وتأثيرا على النفس وعلى السلوك ومنها: عقدة التسلط، وعقدة السادية الجنسية، والمازوخية الجنسية. ولا تظهر هذه العقد أو البوح بها بشكل علني لوجود موانع وقيود نفسية في المجتمعات المحافظة مما تخلق إشكالات نفسية تؤدي إلى إختلال التوازن أحيانا عند الرجل أو المرأة.
وأثناء رسمي لشخصية "حلاوتهم" في رواية "اللون العاشق .. محمود سعيد" وجدت أنها تتطلع بشدة لأن تكون مثل الماركيزة دي بومبادور".
ومدام دي پومپادور (29 ديسمبر/كانون الأول 1721 - 15 أبريل/نيسان 1764) كانت سيدة أرستقراطية مثقفة أثرت بشكل كبير في النواحي الثقافية والفنية والسياسية في البلاط الفرنسي، وكانت عشيقة لويس الخامس عشر في الفترة من 1745 حتى وفاتها.
تزوجت مدام دي بومبادور من شارل گيوم لكنها أصبحت فيما بعد خليلة للملك لويس الخامس عشر. وتلك كانت وظيفة رسمية، إلى جانب منحها لقبا تشريفيا هو الماركيزة دي بومبادور. استمرت علاقتها بالملك فترة طويلة لكنها تحولت فيما بعد إلى علاقة أفلاطونية بعد أن خمدت جذوة الحب بين العاشقين. غير أن مكانة المرأة ونفوذها استمرا على حالهما.
أصبحت مدام دي بومبادور راعية الارستقراطية الفرنسية في عهد التأنق والرفاهية. وفتحت صالونها الفني لاحتضان فناني عصرها ومفكريه وتبنت المدرسة الفنية العالمية الشهيرة "الروكوكو" لتسجل بذلك اسمها في التاريخ والفن. ورعت الكثير من الأعمال الفنية كما ضمنت رعاية الملك للكتَّاب والرسامين، وكان شقيقها الماركيز دي ماريني وزيرا للثقافة في ذلك العهد.
وكان نفوذها واضحا في لوحة "شروق الشمس وغروبها" التي ساعدت هي في اختيار موضوعها المستمد من أسطورة أوفيد، وفي اللوحة تبدو بومبادور على شكل حورية وهي ترحب بعودة الشمس أي الملك.
حلاوتهم استطاعت أن تجذب الأنظار بقوة، في جلسة ضمت كبار الأدباء والفنانين من أمثال: توفيق الحكيم والمخرج محمد كريم.
وقد قام الفنان الفرنسي فرانسوا بوشيه برسم لوحة للماركيزة دي بومبادور، حيث تظهر واقفة وسط الطبيعة، والزهور تنمو عند قدميها بينما تبدو البراعم الرقيقة منعكسة على فستانها الحريري المزركش باللون الزهري. وتبدو السيدة مرتاحة في هذا الجزء من الطبيعة، بينما أسندت يدها بطريقة طبيعية على قاعدة تمثال وأمسكت بالأخرى مروحة، وهي تشير إلى كلبها الصغير الذي يجلس بوفاء.
وقد اطلعت "حلاوتهم" الإسكندرانية بنت بحري على لوحة الماركيزة دي بومبادور" في مرسم الفنان محمود سعيد، فأعجبت بها إعجابا شديدا، وتمنت أن تصبح مثلها، خاصة أن الفنان التشكيلي المصري بدأ يرسمها، مثلما رسم بوشيه الماركيزة دي بومبادور.
ومن خلال الرواية يتضح أن شخصية حلاوتهم شخصية قوية مسيطرة متطلعة تريد أن تصبح – رغم تواضع وسطها الاجتماعي – شخصية مشهورة ومؤثرة على من حولها، واستطاعت أن تجذب الأنظار بقوة، في جلسة ضمت كبار الأدباء والفنانين من أمثال: توفيق الحكيم والمخرج محمد كريم.
ولعل الحوار الذي دار بينها وبين محمود سعيد عندما زارته لأول مرة في مرسمه، وشاهدت لوحة "شروق الشمس وغروبها" يدل على الحالة النفسية التي تلبستها عندما شاهدت تلك اللوحة:

سألتني حلاوتهم: من هذه؟
- إنها مدام دي بومبادور. امرأة فرنسية كانت عشيقة الملك لويس الخامس عشر ملك فرنسا.
- ولماذا يرسمها طالما أنها عشيقته؟
- ليس هو من رسمها، وإنما رسام فرنساوي اسمه فرانسوا بوشيه.
- إنها جميلة حقا. ولكن أين زوجته الملكة ألم تغر منها؟
- "عشيقة" كانت وظيفة رسمية في العهد الملكي الفرنسي، ولا توجد غيرة من الملكة، هذا شيء طبيعي عندهم.
- وما هذا التمثال الذي يبدو أعلى يسار اللوحة؟
- التمثال الذي يظهر أعلى يسار اللوحة يسمّى "الصداقة عزاء للحبّ"، والغلام يمثل كيوبيد (رمز الحب)، وفي هذا تلميح إلى تحوّل علاقتها بالملك من علاقة حسية أو جنسية إلى علاقة صحبة وصداقة.
- كيف أكون مثل دي بومبادور؟
قلت لها: عندما أكون أنا مثل لويس الخامس عشر!
وضحكنا.
ولكن ظلت حلاوتهم تحاول أن تتمقص شخصية دي بومبادور – التي نشأت في طبقة متوسطة - وظل هذا الحلم يراودها طوال الرواية، فأرادت أن تحقق ذاتها من خلال السينما ومن خلال علاقاتها ببعض الرجال، ربما تستطيع أن تصل لأن تكون شيئا، أبعد من كونها موديلا للرسم لدى الفنان محمود سعيد.
وأعتقد أن هذا الطموح المدمِّر والذي أدى في نهاية الرواية إلى مقتل "حلاوتهم"، نستطيع من خلاله أن نضيف عقدة جديدة إلى عقد علم النفس، هي عقدة "بومبادور".