عن تزايد أعداد رجال الدين في المجتمع

المشكلة ليست بالإيمان لكنها تكمن المشكلة في أُناس يعتاشون على الدين من جهة ويحأولون تسويق فكرة أن العلم والفلسفات الحديثة هي ضد الدين من جهة أخرى يحأولون خلق عزلة بين أتباعهم والحياة الحديثة وتسويقها على أنها مجموعة انحرافات أخلاقية.

بقلم: صادق العلي

يتفق الجميع على ان الإيمان هو اعتقاد شخصي، في اغلب الاحيان يكون ذات طابع قلبي إذ يتأسس على بعض المعطيات منها التوريث عن الاهل كمنظومة حياة متكاملة ومنها العيش المشترك مع الاخرين بعيداً عن الاسئلة التي تؤدي في بعض الاحيان إلى تغيير الدين أو الالحاد ومنها طبيعة المجتمع ومستوى التعليم والوعي الذي يحمله المواطنون، وغيرها من العوامل التي يتاسس فيها الدين على معطيات قلبية غير خاضعة للنقد.

في أحيان اخرى يتأسس الإيمان على معطيات عقلية، هنا اقصد ما بعد البحث والتقصي عن الأدلة التي تثبت احقية دين معين على حساب الأديان أو الأخرى، هذه الأدلة مناسبة للباحث ليست بالضرورة مناسبة للجميع. الدليل على أن الإيمان قلبي هو ما ورد في الكتب المقدسة الثلاثة في الأديان الابراهيمية.

  • ما ورد في سفر العبرانيين 6:11.
  • ما ورد في انجيل يوجنا 36:18.
  • ما ورد في القرآن سورة البقرة الآية 3 - 4.

بالمقابل تحتاج العلوم والفلسفات إلى الأدلة العقلية المحضة لاثبات ما تطرحه كي يتوصل الجميع إلى ذات النتائج التي توصل اليها اصحاب تلك العلوم أو الفلسفات، وهذه اهم واكبر نقاط الاختلافات بين الإيمان والعلم، انا هنا لا اقارن ولا افاضل بينهما فهذا ليس من اختصاصي ولا من هدافي ولكني اتمنى على الجميع ان يتوصلوا لحقيقة الفرق بين الإيمان والعلم مع عدم وجود حالة من التناقض أو من التنافر بينهما.

قد يقول المؤمن بدين ما ان كتابه المقدس يحمل بين جنباته العلوم والفلسفة ايضاً يحمل اخبارك من سبقونا وما سيحدث مستقبلاً سواءاً على المدى القريب أو على المدى البعيد، وهذه حالة طبيعية لاثبات صحة ما يعتقده على مستوى الإيمان الديني أو حتى في مجالات الحياة الاخرى، ولكن هذا الطرح غير مُلزم للاخرين كونهم يعتقدون بدين اخر وبكتاب اخر ربما يطرح أفكار أو رؤى مختلفة أو متشابهة إلى حد ما، فمن يستطيع ان يخلق حالة الاعتدال أو التوازن بين ابناء المجتمع الواحد ذات الأديان متعددة؟

قطعاً انه القانون وهذا ما نراه ونعيشه في الدول المتقدمة، ايضاً هناك وظيفة (رجل الدين) الخطرة جداً فهذه الوظيفة قد تساعد القانون على تنفيذ بنوده فيما يخص حرية الاعتقاد الديني وقد تكون اهم ادوات تدمير المجتمعات كما هو الحال في الحالة العربية.

القوانين الحديثة في الدول المتقدمة نظمت بشكل كبير حق الإيمان فهو شخصي بأمتياز، واعتبرته من ضمن الفقرات الاساسية في دساتيرها وقد نحجت إلى حد كبير مع بعض الخروقات (الفردية أو الفكرية عند الجماعات المتطرفة) هنا أو هناك ولكن لا أحد يُنكر وجود حرية دينية فيها والدليل هو انتشار الاسلام في الغرب بشكل كبير سواءً على مستوى الولادات الكثيرة أو اعتناقه من قبل اصحاب الأديان الاخرى على الرغم من انها دول مسيحية.

وبين الاعتقاد القلبي المُنظم (الإيمان) وبين اليقين العقلي (العلم) تقدمت هذه مجتمعات وارتقت لانها وضعت القوانين كما اسلفت وكذلك حددت وظيفة رجل الدين، لان هذه الوظيفة أو هذا المنصب من اخطر الوظائف على المجتمعات واقدمها تاريخياً إذ طالما كان رجل الدين صانع الاحداث (سلباً أو ايجاباً) بحسب توجهاته وبحسب قربه من السلطة وعلى هذا الاساس اما ان يكون ايجابياً أو سلبياً.

ماذا عن المجتمعات العربية وهل ستصل يوماً إلى حالة تنظيم الاعتقاد الديني بين ابنائها؟ وهل يصل العقل العربي إلى مرحلة التمييز بين الإيمان وبين وظيفة رجل الدين؟

المشكلة ليست بالإيمان طبعا ولكن تكمن المشكلة في اناس يعتاشون على الدين من جهة ويحأولون تسويق فكرة ان العلم والفلسفات الحديثة هي ضد الدين من جهة اخرى. ايضاً يحأولون خلق عزلة بين اتباعهم وبين الحياة الحديثة وتسويقها على انها مجموعة انحرافات اخلاقية. إنه رجل الدين تلك الوظيفة الاشهر والاسهل في المجتمعات العربية والتي لا تخضع لاي ضوابط لدرجة انه وفي احيان كثيرة يكون رجل الدين اقل ايماناً وورعاً من اتباعه ولكنه بالتأكيد اكثرهم ثراءاً.

تزداد اعداد رجال الدين في المجتمعات التي تقل فيها نسبة الوعي، ويبرز دور رجل الدين في حالات الفوضى التي تصيب المجتمعات في حقبات مختلفة من التاريح، وبالضرورة يزداد رجل الدين ثراءاً من جيوب اتباعه، قد يكون رجل الدين متعلم لمستوى دراسي معين وقد يحمل شهادة في مجال معين من مجالات الحياة وهذا جيد ولكنه غير فعّال وغير مُنتج فهو يعتاش على عطايا وهبات الناس من خلال التأثير على ايمانهم.

معادلة غير موضوعية: شخص لا يعمل لا يمتلك مصدراً للرزق ولا يمتلك راتب من اي وظيفة اخرى ومع ذلك تجده اكثر الموجودين ثراءاً.

من غرائبيات رجال الدين: انه اكثر ثراءً من اغلب الرموز الدينية التي يتباكى عليها وهذا الكلام منافي تماماً للتعاليم الدينية. نجد من بين اتباعه من هم اكثر ورعاً واخلاقاً منه ايضاً اعمق ايماناً بالعطاء والتضحية.

ليس هناك مقياس معين يحدد درجة ايمانه فكيف يتصدر المشهد الديني؟! قد تكون هناك تسميات اخرى لهذه الوظيفة وقد تختلف الامتيازات التي يحصل عليها رجل الدين من هذه الوظيفة من مكان لاخر، ولكن من المؤكد ان وجود هذه الوظيفة بهذا الشكل وفي المجتمع هي اهم ادوات تردي أوضاعه وتراجعه، ولم يحدث في التاريخ قط ان ارتقى اي مجتمع من خلال ازدياد اعداد رجال الدين فيه بل بالعكس طالما كانوا العقبة التي تقف بوجه اي مشروع اصلاحي وتقف بوجه العقول الواعية والعارفة من ابناء هذه المجتمع.