غاز البحر المتوسط وهم والتطبيع هو الحقيقة

انتهت اللعبة في لبنان لتبدأ الآن في غزة واللافتة المرفوعة هي عينها في الحالين: غاز المتوسط.

الاتفاق الذي وقعه لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود بينهما أنهى وإلى الأبد حروب حزب الله. ليس المقصود هنا المقاومة التي انتهت صلاحيتها عام 2000 يوم تم تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي. ولكن إيران هي المقصودة هذه المرة فهي المعنية بكل ما كان حزب الله يقوم به من فعاليات خائبة دفع لبنان وشعبه ثمنها باهظا.
من خلال الاعتراف الضمني اللبناني بإسرائيل التفت إيران على الواقع السياسي لتثبت نوعا من حسن النية ولتقدم لإسرائيل ضمانات بأمن وسلامة مستوطناتها شمال فلسطين. ذلك سلوك خبيث عُرفت به إيران. فهي لا تقدم شيئا تملكه حقا، بل تقدم ما لا تملك لمَن لا يستحق.

لم يكن أمام حزب الله سوى أن يسوق الإتفاق بطريقة تهريجية وكأنه آخر انجازات الرئيس السابق ميشال عون في نهاية عهده الزاخر بكل أنواع الإذلال الذي تعرض له اللبنانيون، بدءا من قضائهم الذي فقد نزاهته وصولا إلى تبخر مدخراتهم المالية في المصارف مرورا بانفجار مرفأ بيروت.

انتهت بهذه الطريقة المهينة حروب لبنان التي كان يمكن أن تنتهي بطريقة، تحفظ للبنانين كرامتهم واعتزازهم بحريتهم واستقلال دولتهم. فهل ستنتهي حروب غزة بالطريقة نفسها لكي تقدم إيران ورقة اعتراف جديدة لإسرائيل من غير أن تخسر شيئا؟

من المحبط أن ذلك الخيار المتوقع لن يرى النور إلا إذا وقعت حرب مدمرة جديدة يكون أهل غزة حطبها. لا تنفع المصالحة الفلسطينية التي جرت مؤخرا. ذلك لأن غزة ليست لأهلها الفلسطينيين ولا صلة لها بفلسطين وقضيتها ما دامت حماس مستمرة في عرضها في المزاد. وهو مزاد لا يقع صندوق أسراره في رام الله، حيث السلطة الفلسطينية أو ما تُسمى بسلطة أوسلو، بل في طهران التي هي بالنسبة لحركة حماس عاصمة القرار الإسلامي.

عاجلا أم آجلا فإن إيران ستدفع بالأوضاع في غزة إلى تلك الطريق التي صارت حماس تمهد لها بمقذوفات صغيرة لن تضر كالعادة أحدا في إسرائيل، ولكنها تهب اليمين الصاعد بعودة نتنياهو إلى الحكم فرصة جديدة للإنقضاض على غزة في محاولة لإختصار الزمن الإيراني.

هي إذاً لعبة يديرها الطرفان الإيراني والإسرائيلي هي أشبه بمفاوضات غير مباشرة يدفع العرب ثمنها. انتهت تلك اللعبة في لبنان لتبدأ الآن في غزة واللافتة المرفوعة هي عينها في الحالين. غاز البحر المتوسط. وهي لافتة مضللة. لا تزال الخرائط على الورق وقد تظل كذلك إلى زمن طويل. وما تحقق هو واحد من أعظم انجازات الدولة العبرية التي لابد أن يكون لها تأثير على المواقف التي يمكن أن تتخذها إسرائيل من إيران.

سيُقال إن إتفاق "التطبيع" الذي وقعه لبنان لن يضر به بل سيفيده. فهو سيحرره من هيمنة حزب الله القائمة أصلا على الخوف من إسرائيل. غير أن ذلك ليس صحيحا. فلبنان لم يوقع إتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل لولا ضغط حزب الله. ذلك الضغط الذي سيبقي الحزب سيدا على الساحة السياسية اللبنانية بعد ان فقد الكثير من أوراق شرعيته بعد انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019. ما خُطط له أن يخرج الحزب أقوى بسبب الإتفاق وهو ما يرغب فيه طرفا الإتفاق الحقيقيان، إيران وإسرائيل. فإذا كانت إسرائيل متضررة من وجود حزب الله في الماضي فإنها ستكون أول الرابحين من استمرار لبنان في فشله السياسي في ظل استمرار الهيمنة الإيرانية.

الهدية الإيرانية سيقابلها شكر إسرائيلي. ذلك على الأقل ما يتوقعه الإيرانيون وهم يتعرضون لمضايقات إسرائيلية تربك وجودهم في سوريا. كما أن الولايات المتحدة ستأخذ بعين الاعتبار الموقف الإيراني وهي التواقة إلى أن ترى انفتاحا إيرانيا على إسرائيل بعد أن صارت محرجة بسبب ملف إيران السيء في مجال حقوق الإنسان بعد ثورة الحجاب التي تشهدها إيران.  

ولأن الحفلة لن تنتهي إلا حين يتم التوقيع على إتفاق مماثل مع فلسطين التي سيكون الإعتراف بها أمرا شائكا بالنسبة لإسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة فسيكون على إيران أن تبحث عن مخرج لغزة التي تحكمها عصابة إرهابية بالنسبة لإسرائيل. ربما ستكون المصالحة هي ذلك المخرج وقد تكون عودة حماس إلى الحضن السوري هي أولى الخطوات في ذلك الإتجاه. وحماس تفعل صاغرة ما تريده إيران التي يمكنها أن توقف التمويل القادم من دول أخرى.     

السؤال هو "أين العرب من كل ما يجري؟"