غموض الفصل الأول من الدستور التونسي يقفز فوق ستة عقود من الجدل

متابعون يخشون من عودة الانقسام والتقسيم والاستقطاب الثنائي الحاد الذي عانت منه تونس خاصة في السنوات الأولى التي أعقبت الثورة.
تجدد الجدل حول الهوية والإسلام في الدستور التونسي
تونس

يُتوقع أن يعود الجدل من جديد حول مسألة الهوية في تونس ليطرح مرة آخرى مسائل خلافية لم تُحسم في دستور 2014 بالاقتناع والمحاججة بقدر ما حُسمت مؤقتا بالتوافق. بينما لا يستبعد بعض المتابعين عودة مسألة تضمين الدين في الدستور من عدمها ارتباطها بغايات انتخابية.
وفي حديث لوكالة فرانس برس قال منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور الجمهورية الجديدة في تونس الصادق بلعيد إنه سيعرض على الرئيس قيس سعيّد مسودة لدستور لن تتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة.
وينص الفصل الأول من الباب الأول للمبادئ العامّة لدستور 2014 أن "تونس دولة حرّة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها".
ويعلم الكثير أن الخلاف حول المسألة الدينية في الدستور يعود تاريخه إلى دولة الاستقلال عندما كان المجلس القومي التأسيسي يعكف على إعداد أول دستور للجمهورية التونسية بعد الاستقلال من الاحتلال الفرنسي.
وفي هذا الصدد يقول أستاذ التاريخ المعاصر عبد الجليل بوقرة في تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" إن صداما كبيرا حصل في تلك الفترة بين المحافظين ويمثلهم الزيتونيون والحداثيين العائدين للتو من الدراسة في فرنسا حول مسألة تضمين الدين والشريعة في دستور 1959".
 

النهضة وظفت المسألة الدينية لملء خزانها الانتخابي في وقت لم يكن لديها مشروع سياسي واضح 

ويضيف بوقرة أن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة تدخل آنذاك لحسم الخلاف بأن اقترح الصيغة المتعارف عليها "تونس دولة دينها الإسلام" ولم يقل مسلمة أو إسلامية. 
ويخشى متابعون للشأن العام التونسي من عودة الانقسام والاستقطاب الثنائي الحاد الذي عانت منه تونس خاصة في السنوات الأولى التي أعقبت الثورة ولم يهدأ إلا بعد التوافق بين رئيس حركة نداء تونس الحداثية الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي في 2013 في لقاء باريس الشهير.
وفي تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" أبدى كاتب عام نقابات الإطارات الدينية فاضل عاشور استغرابه من مسألة إعادة طرح المسألة من جديد بعد أن تم حسمها في دستور 2014، مشددا على أن "تونس دولة حداثية تؤمن بالحريات وفي نفس الوقت لا تحقّر من جميع الأديان". واستنكر بن عاشور محاولات بث الفتنة باسم الدين كما حصل في بداية الثورة "عندما وظفت حركة النهضة المسألة الدينية لملء خزانها الانتخابي في وقت لم يكن لديها مشروع سياسي واضح غير مشروع تغيير النموذج المجتمعي التونسي". وأبدى بن عاشور مخاوفه من أن يُتهم رئيس الجمهورية بإعطاء غاياته  انتخابية الأولوية على مدنية الدولة ومكاسب الدولة التونسية الحديثة. 
وعاد الجدل حول المسألة الدينية في الدستور بعد الثورة وتفيد تقارير إعلامية وتصريحات سياسية في تلك الفترة أن النهضة استخدمت السلفيين لضرب مدنية الدولة والضغط على أعضاء المجلس التأسيسي لتغيير الفصل الأول من الدستور وتضمين العقيدة. وتكفل حزب التحرير السلفي بمهمة تجييش الشارع وتكفير كل من يعارض التنصيص على الدين والشريعة في الدستور. وهي مسألة تصدى لها الديمقراطيون في تونس فتم تجييش مضاد للشارع وحصلت صدامات خطيرة أوشكت أن تنزلق بالبلاد نحو مربع العنف.
ولئن فوجئ العديد بتصريحات بلعيد لفرانس براس فإن آخرين لم يفاجئوا على اعتبار أن المسألة أثارها رئيس الجمهورية في نيسان/ أبريل الماضي خلال إشرافه على موكب لتسليم الجوائز لحفظة القرآن الكريم. وقال سعيّد وقتها "نحن نصوم ونصلي بأمر من الله وليس بناء على الفصل الأول من الدستور. وهو ما اعتبرته النهضة تلويحا بتغيير الفصل الأول من دستور 2014 المعطلة أغلب فصوله من الرئيس سعيّد وصنفته "خطابا تحريضيا يقسّم التونسيين ويهدد السلم الأهلية.
 

غموض صياغة الفصل الأول جعله مدعاة للتأويل، والتأويل يرتبط بمن هم في السلطة

بينما رد عليه الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي باتهام سعيّد بأنه "يستمد خطابه من مرجعية شيعية وبالتحديد الفكر الخميني".
ويضيف بوقرة لـ"ميدل إيست أونلاين" أنه "علينا أن نتذكر أنه بالحفاظ على الفصل الأول من دستور 1959 في دستور 2014 بنفس الصيغة تقريبا مع إضافة بند يمنع تعديل هذا الفصل الذي يجعل من الإسلام دينا للدولة، من شأنه أن يكرّس نفس الإشكاليات المرتبطة به". 
ولفت إلى الغموض في الصياغة الذي يلف هذا الفصل، لذلك كان هذا الفصل على مدى سنوات محل نقاش سياسي وقانوني، وكل غموض هو مدعاة للتأويل، والتأويل يرتبط بمن هم في السلطة".
وهي نقطة لا تبعد كثرا عما ذهب إليه بن عاشور عندما قال إن هذا الفصل شكّل الأساس الدستوري لإعادة هيكلة الحقل الديني ووضع الدين تحت سلطة الدولة".
وأشار بن عاشور إلى أن "عبارة الدولة دينها الإسلام لا تعني أن الدولة مسلمة وستدخل الجنة وإنما قصد بها بورقيبة أن الدولة هي المشرفة على المسألة الدينية لقطع الطريق على محاولات بعض التيارات المحافظة آنذاك لئلا تحتكر الدين لنفسها".
وأشار إلى أن النخبة الديمقراطية والحداثية في تونس كانت واعية بمخاطر تأويل هذا الفصل الذي يمكن أن يؤدي إلى إقامة دولة دينية. لذلك أضافوا الفصل الثاني الذي يقضي بأن "تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون".
وفي 2015 أفادت دراسة استطلاعية قام بها منتدى العلوم الاجتماعية بالاشتراك مع المعهد العربي لحقوق الإنسان والمرصد التونسي للشباب، أن التونسيين ميالون إلى احترام عقائد الاخرين (39%) ومبدأ حرية الاعتقاد (33%) وحرية تغيير العقيدة (28%). بينما يرفض 88% من المستجوبين تشيّع السني، و93% يرفضون اعتناق المسلم للمسيحية.
في المقابل، 91% من المستجوبين يقبلون بالدعوة الى الاسلام في البلدان غير الاسلامية ومنها المسيحية لكنهم يرفضون المبشرين بالدعوة المسيحية في تونس.
واحتملت تلك الدراسة قراءات سوسيولوجية مختلفة في علاقة بالأديان والمذهبية والطائفية كظاهرة جديدة في تونس بعد الثورة.