فرنسا تغادر مالي وروسيا تأبى الفراغ
بانسحاب آخر جندي فرنسي من مالي يبدو الملعب خاليا أمام لاعبين جدد في منطقة الساحل الإفريقي التي تتمدد داخلها قوات فاغنر الروسية، بينما أعلنت الجماعات الجهادية عن عودة قوية مؤخرا انطلاقا من المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وأفادت رئاسة الأركان الفرنسية بأنه عند الساعة الـ11 بالتوقيت العالمي ليوم الإثنين غادرت آخر كتيبة من قوة برخان موجودة بالأراضي المالية.
وكانت فرنسا قد أرسلت 5000 جندي إلى مالي عام 2013، بناء على طلب من الحكومة المالية التي كانت تواجه تمردا مسلحا.
وشرعت القوات الفرنسية في مغادرة مالي نحو النيجر بعد تدهور العلاقات في الأشهر الأخيرة بين فرنسا والمجلس العسكري الحاكم في مالي الذي وصل للسلطة إثر انقلابين متتاليين في أغسطس/ آب 2020 ويونيو/حزيران 2021.
وبدأ الحديث عن "استبدال" القوات الفرنسية بقوات فاغنر الروسية منذ العام الماضي، خاصة بعد عدم الارتياح الذي أبداه المجلس العسكري في مالي إزاء التصريحات الفرنسية التي اعتبرها تدخلا في شؤون البلاد الداخلية وتأليبا للدول الإفريقية عليها، بعد أن أطاح (المجلس العسكري) بحكومة كانت تُعتبر موالية لباريس.
واتهم رئيس وزراء مالي شوغل كوكالا مايغا، أمام دبلوماسيين معتمدين في باماكو، فرنسا بأنها عملت على تقسيم بلاده بوجودها العسكري فيها.
وطرد المجلس العسكري الحاكم في باماكو مطلع شباط/ فبراير المنقضي السفير الفرنسي في مالي.
وبالتوازي مع تدهور علاقاتها مع باريس، وطدت باماكو مؤخرا علاقاتها مع موسكو، وحصلت منها على دعم عسكري وسياسي.
تنشط قوات فاغنر الروسية في العديد من البلدان الإفريقية كموزمبيق والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي حيث تنفذ عمليات قتالية نوعية
وكشفت مالي في آذار/ مارس الماضي عن تسلمها معدات عسكرية جديدة من روسيا، تضم 5 طائرات ومروحية عسكرية.
وأجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في يوليو/ تموز الماضي جولة إفريقية، أكد خلالها حرص موسكو على التعاون مع بلدان القارة ومساعدتها في مختلف المجالات.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده مستعدة لتزويد حلفائها بأحدث الأسلحة، مشيرا إلى أن علاقة روسيا قوية مع دول في أميركا اللاتينية وآسيا وإفريقيا.
وساعدت الظروف الإقليمية خاصة في منطقة الساحل والصحراء، موسكو على التوغل في الداخل الإفريقي انطلاقا من مالي التي رحب الكثير من مواطنيها بالوجود الروسي معتبرين روسيا "بلدا محايدا غير استعماري"، بينما ينظرون إلى أن فرنسا تسعى بوجودها على أراضيهم إلى تحقيق "أهدافها الاستعمارية"، ولا تحارب الإرهابيين بشكل جدي".
وخضعت مالي للاحتلال الفرنسي لنحو نصف قرن، لتحصل على استقلالها في 1960.
وتنشط في الساحل والصحراء جماعات إرهابية أبرزها تنظيما الدولة الإسلامية وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة، وجماعتا أنصار الإسلام وبوكو حرام. ونفذت جميعها هجمات إرهابية أسفرت عن مقتل آلاف وتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص.
وتعمل فاغنر في العديد من البلدان الإفريقية الأخرى، بما في ذلك موزمبيق والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى حيث تتعقب الجهاديين ونجحت بالفعل في إحباط العديد من المخططات الإرهابية في تلك الدول.
بينما يتهمها الغرب بتنفيذ "جرائم حرب" في ليبيا وسوريا.
ووصفت الخارجية البريطانية مجموعة فاغنر بأنها "محرك للصراع"، وقالت إنها "تستفيد من عدم الاستقرار من أجل مصالحها الخاصة".
وظهرت مجموعة فاغنر للمرة الأولى عام 2014، خلال دعمها للانفصاليين الموالين للروس في صراع شرق أوكرانيا.
سيشكل خروج القوات الفرنسية من مالي مقابل توسع النفوذ الروسي عسكريا وسياسيا في إفريقيا انتكاسة استراتيجية للغرب
ودخلت روسيا الصراع مع الجهاديين في جمهورية إفريقيا الوسطى عام2017 وقدمت للدولة الإفريقية أسلحة وذخيرة ووفرت لها مدربين عسكريين.
ويعتقد محللون أن خروج القوات الفرنسية من مالي مقابل توسع النفوذ الروسي عسكريا وسياسيا في إفريقيا، سيشكل "انتكاسة استراتيجية للغرب".
وحافظت روسيا ومالي على علاقات وثيقة في السنوات الأخيرة، خاصة مع توقيع اتفاقية تعاون في الدفاع عام 1994، وأعيد مراجعتها عام 2019.
ويوفر التدخل الروسي حجة قوية للمجلس العسكري للتمديد في ولايته وتأجيل الانتخابات بداعي مجابهة الإرهاب في "ظروف استثنائية".
وأعلنت الجماعات الإرهابية عن عودة قوية للنشاط انطلاقا من تيسيت المتاخمة لحدود مالي الشمالية مع النيجر وبوركينا فاسو، بقتله عشرات الجنود التابعين للجيش المالي.
ويعلم الجيش المالي كذلك أن عليه مواجهة التمرد في منطقة أزاواد حيث تسيطر جماعات إسلامية مسلحة، تحظى بجانب من التأييد الشعبي.
وتتألف جماعة أنصار الدين أساسا من الطوارق الذين كانوا يساندون العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
وبعد رحيل القذافي عادوا مدججين بالأسلحة الثقيلة ليأخذوا من أزاواد مركزا لنشاطهم ضد الحكومة والجيش اللذين يتهمونهما بالعنصرية ضد أبناء أزاواد..
وتنشط هناك أيضا جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا التي تتألف في غالبها من القبائل العربية في منطقة غاوا وشرق أزاواد، وجماعة أنصار الشريعة المتكونة من قبائل عرب تمبكتو والمناطق الأزاوادية الغربية، بينما يسيطر المقاتلون الجزائريون والموريتانيون على تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، مع حضور قوي للمسلحين الأزاواديين في التنظيم.
ويحقد العديد من الأزاواديين على الجيش المالي لتورطه في التسعينيات، في تسليح ميليشيات وإطلاقهاعلى الطوارق والعرب، فارتكبت عمليات إبادة واغتصاب وحرقت القرى واجتاحت المدن.
ويزداد الوضع تعقيدا باحتمال انضمام جماعتين غير إسلاميتين للجهاد مع الجماعات الإسلامية ضد الجيش، وهما الحركة الوطنية لتحرير أزاواد، والحركة العربية الأزاوادية.
وتمثل تلك البيئة القتالية المعقدة أرضية خصبة لقوات فاغنر لتكثيف عملياتها وربما إطالة أمدها خاصة وأنها في وضعية منافسة مع القوات الفرنسية المغادرة التي يتهمها الكثير من الماليين بأنها لم تغير كثيرا على أرض الواقع ولم تتمكن من دحر الإرهاب من بلادهم.
لكن يبدو أن القوات الفرنسية لن تبتعد كثيرا عن قوات فاغنر الروسية، إذ تخطط باريس لاتخاذ النيجر مركزا بديلا لقواتها في عملية إعادة انتشار إقليمية تعمل الحكومة الفرنسية على تقديمها كمقترح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحلول أيلول/ سبتمبر المقبل.
وستقوم القوات الفرنسية هناك بعمليات خاصة مع قوات من النيجر في المناطق الحدودية مع بوركينا فاسو ومالي لمقاومة الإرهاب وإحباط مخططات الهجرة غير النظامية التي تهدد القارة الأوروبية..
ويشمل تمركز القوات الفرنسية دولا إفريقية أخرى تسعى قوات فاغنر للتمدد داخلها على غرارا بوركينا فاسو وبينين.