فوز أردوغان بالانتخابات يعزز صورته كرئيس لا يقهر

الرئيس التركي جذب الناخبين بخطاب قومي ومحافظ خلال حملة شهدت خلافات وصرفت الانتباه عن المشكلات الاقتصادية العميقة.

أردوغان يؤكد أن الانتخابات أظهرت أن لا أحد يستطيع أن يهاجم مكتسبات هذه الأمة

أنقرة - أعلن رجب طيب أردوغان فوزه بالانتخابات الرئاسية في جولة الحسم التي جرت اليوم الأحد، مؤكدا أن الشعب التركي منحه تفويضا رئاسيا جديدا، بينما تجمع مواطنون أمام منزل الرئيس التركي محتلفين بتجديد عهده، رافعين صورا ولافتات تؤيده، فيما لم تعلن النتائج الرسمية النهائية بعد.

وكان يُنظر إلى الانتخابات على أنها واحدة من أهم الانتخابات في تركيا، إذ كانت المعارضة تعتقد بأن لديها فرصة قوية للإطاحة بأردوغان بعد أن تضررت شعبيته جراء أزمة تكاليف المعيشة.

لكن فوز الرئيس التركي سيعزز صورته كزعيم لا يقهر بعد أن أعاد بالفعل رسم السياسة الداخلية والاقتصادية والأمنية والخارجية في الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة ورسخ وضعها كقوة في المنطقة.

وجذب أردوغان الناخبين بخطاب قومي ومحافظ خلال حملة شهدت خلافات وصرفت الانتباه عن المشكلات الاقتصادية العميقة.
وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات في مؤتمر صحفي إن أردوغان يتصدر النتائج بحصوله على 54.47 في المئة من الأصوات بعد إحصاء 54.6 في المئة من صناديق الاقتراع.

بدوره قال زعيم المعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو في أول تصريح له بعد الانتخابات "إنني حزين للغاية في مواجهة الصعوبات التي تنتظر البلد"، من دون أن يعترف رسميا بالهزيمة.

وبعد عقدين في السلطة، بدا الرئيس التركي المنتهية ولايته مهددا بتداعيات الأزمة الاقتصادية واستئثاره بالسلطة، لكنه فاز في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو (74 عاما) زعيم حزب الشعب الجمهوري.

وقال أردوغان بعيد فوزه في اسطنبول أمام أنصاره "عهدت إلينا أمتنا مسؤولية حكم البلاد للسنوات الخمس المقبلة"، مضيفا  "أظهرت هذه الانتخابات أن لا أحد يستطيع أن يهاجم مكتسبات هذه الأمة".

وكان قد خاض الدورة الثانية اليوم الأحد من موقع قوة بعدما حصل على 49.5 في من الأصوات مقابل 45 في لمنافسه كيليتشدار أوغلو في الدورة الأولى.

ولا السجن ولا التظاهرات الحاشدة ولا حتى المحاولة الانقلابية عام 2016 نجحت في وقف صعود الرئيس. لكنه واجه انتقادات شديدة بسبب وضع الاقتصاد التركي وغضب الناجين من زلزال السادس من فبراير/شباط المدمر الذين تركوا لمواجهة مصيرهم في الأيام الأولى التي تلت الكارثة.

أحدث أردوغان تحولًا عميقًا في تركيا من خلال مشاريع بنى تحتية ضخمة تضمنت بناء طرق سريعة ومطارات ومساجد، وسياسة خارجية منفتحة على شرق آسيا ووسطها على حساب حلفاء أنقرة الغربيين التقليديين الذين حاول التقرب منهم اثر وصوله إلى السلطة.

رغم النفور الغربي تجاهه، سمحت له الحرب في أوكرانيا بالعودة إلى صدارة المشهد الدبلوماسي بفضل جهود الوساطة التي قام بها بين كييف وموسكو، إلى جانب تعطيله منذ نحو عام دخول السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).

لكنّ معارضي أردوغان يتهمونه بنزعة استبدادية، ولا سيما بعد المحاولة الانقلابية التي وقعت في تموز/يوليو 2016 والتعديلات الدستورية عام 2017 التي وسعت صلاحياته.

وغالبا ما يصور الرئيس التركي في الغرب على أنه سلطان متمسك بالعرش. لكن الرجل الذي يحن إلى الإمبراطورية العثمانية والذي شيّد قصرا يضم أكثر من ألف غرفة في أنقرة، يواصل تقديم نفسه بصفته رجلا من الشعب في مواجهة "النخب".

واستند إلى هذه الصورة ليفوز في كل الانتخابات منذ تولى حزبه العدالة والتنمية السلطة في 2002. لكنه واجه هزات سياسية خصوصا عندما حرمته المعارضة في 2015 من غالبيته البرلمانية، ثم انتزعت منه رئاسة بلديتي أنقرة واسطنبول عام 2019.

ورغم تباطؤ حركته في بعض الأحيان، لا يزال رجب طيب أردوغان قادرا على عقد ثمانية اجتماعات في يوم واحد، ويستعرض قدراته الخطابية مستشهدا بقصائد قومية وآيات قرآنية لإثارة الحشود.

ولد أردوغان في حي قاسم باشا الشعبي في إسطنبول وكان يتطلع إلى احتراف رياضة كرة القدم التي مارسها لفترة قصيرة، قبل الانتقال إلى العمل السياسي.

تعلم أصول اللعبة السياسية داخل التيار الاسلامي الذي كان يقوده نجم الدين اربكان، ثم دفع إلى الواجهة مع انتخابه رئيسا لبلدية إسطنبول في 1994 وفي 1998، حكم عليه بالسجن مع النفاذ بعدما أنشد قصيدة دينية، في حادث ساهم في تعزيز موقعه.

وسنحت له الفرصة للانتقام عند فوز حزب العدالة والتنمية الذي شارك في تأسيسه، في انتخابات 2002. ففي السنة التالية أصبح رئيسا للحكومة وبقي في هذا المنصب حتى 2014 عندما أصبح أول رئيس تركي ينتخب بالاقتراع العام المباشر.

ويبقى أردوغان المتزوج والأب لأربعة أولاد، في نظر أنصاره الوحيد القادر على "التصدي" للغرب وقيادة السفينة عبر الأزمات الاقليمية والدولية، لكن منذ التظاهرات الكبيرة المعادية للحكومة والتي قمعت بعنف في ربيع 2013، أصبح الشخصية التي تواجه أكبر مقدار من الانتقادات في تركيا.

واجه الرئيس أشد اختبار ليل 15 إلى 16 تموز/يوليو 2016، خلال محاولة انقلابية دامية. وطبعت في الأذهان صورة أردوغان شاحب الوجه، وهو يطلق نداء إلى الشعب في تلك الليلة عبر شاشة هاتف نقال، ثم بعد ذلك وصوله مظفرا إلى مطار أتاتورك القديم في إسطنبول عند الفجر معلنا هزيمة الانقلابيين.