قراءة في 'امرأة امسكت في ذات الفعل'

رواية هيلانة الشيخ تتميز بالجرأة والتمرد على قيم بالية في مجتمع مغلق يسوده الظلم والذكورية المتعفنة، وتدعو للتسامح والحب ومحاربة الظلم والعبودية.

رواية سلسة جذابة تأسرك بأجوائها المتشعبة، تنسج حولك خيوط لامرئية، تجعلك تواصل القراءة بلا انقطاع، تجسد عوالم من مجتمع مغلق علي نفسه، المخطئ عقابه شديد وقاس، يسلب منه حياته وهو حي ليصبح كالميت يأكل ويشرب ويتم امداده بما يبقيه علي قيد التنفس فقط، مجتمع لا يعرف التسامح والعفو، علماً أن الخطأ صفة بنوية في بني البشر
قوة الأنثى
شخصيات نسائية قوية الحضور، يمارس بحقهن كل أصناف الظلم والاهانة والتجريح والذل، من زواج مبكر إلي المنع من الخروج والتجول بدون محرم، ممارسات اقرب للعبودية، مجتمع ذكوري كل نماذجه من الرجال قساة يفرضون اراداتهم على -الضعيف- مثل النساء.

نصوصها تستمدُ عناصر التشويق من اللغة والأسلوب والصياغة
نصوصها تستمدُ عناصر التشويق من اللغة والأسلوب والصياغة

 فالأب والزوج والأولاد الذكور منزوعة الرحمة من قلوبهم وأصبحوا اشد غلظة من الحجارة، لا تأخذهم رأفة أو رحمة بامرأة أخطأت في لحظة طيش.
 فهم يدفعونها إلى الهاوية والسقوط ويسلبون منها حريتها لتصبح كالدمية بين أيديهم، لا تعرف الاختيار أو القبول أو الرفض، فما تؤمر به تنفذه بالحرف ولا تنطق أو تدفع المعتدي، أنواع من الضرب والتجريح والذل والاهانة بحق امرأة اخطأت يوماً في نزوة عابرة، تدفع ثمنها العمر كله.
بلغة متماسكة وبأسلوب المتكلم وهو الأنا يسرد الراوي الاحداث بسلاسة وحرفية ويستخدم الشخصيات في ابانة الاحداث  الدرامية وما يمارس بحق -الشخصيات النسائية- فهن محل المفعول به وليس الفاعل، فهم بلا ارادة.
فالمرأة في الرواية مطيعة تقدم للرجل ما يرضي شهوته وسطوته.
 ولكن العجيب ان كل النماذج الذكورية في الرواية نماذج منحرفة متلسطة تتحول الي ذئاب بشرية لترضي شهوتها ورغباتها فقط، وما للمرأة من حق أو أي نوع من أنواع الحرية، فهي محرومة من استخدم تليفون محمول أو اي نوع من وسائل الاتصال بالعالم الخارجي، وبالأخص شخصية "هلا" .
السقوط والهاوية والانحراف هو نهاية المجتمعات المغلقة المسلوبة من حريتها والمكبوتة جنسيا، فبعد كل تلك السنوات من ممارسات الضرب والتعذيب لـ"هلا" وهي كامرأة لها رغبات ومشاعر تريد اشباعها، تدفعها الي تحقيقها خارج الاطار الشرعي مادام لم تجده في اطار الشرعية والحلال - فتنظر الى الحرام وتبرره لذاتها لترضي نزواتها، وهو الجحيم والهاوية.
الكاتبة والروائية هيلانة الشيخ تملك قلم جريء وقوي ومتمرد على الواقع الزائف وأسلوب أدبي ممتع ولغة فنية فصيحة تأثرك بداخلها.
 فعلا يستمتع بمتابعة هذا النص الذي يستمدُ عناصر تشويقه من اللغة والأسلوب والصياغة، ويكون احتمال التعاطف قائماً مع "هلا" والإشفاق عليها ولا يوجد مبرر قوي لسلوكها هذا الطريق، ولكنها الحبكة أو لحظة الكشف للقراء أن القيم السائدة بينهم هي قيم ظالمة ومجحفة وجاحدة طالما العدل مغيب والعفو والتسامح أقوال وليس لهم وجود حقيقي على أرض الواقع.
في الحقيقة الرواية جريئة ومتمردة على قيم بالية في مجتمع مغلق يسوده الظلم والذكورية المتعفنة، الراوية تسرد الواقع وتنشد الغائب عن كثير من البشر فهي دعوة للتسامح والحب والتمرد على الظلم والعبودية.