اكراهات جيوسياسية تدفع أكراد سوريا للانفتاح على حوار مع تركيا

مظلوم عبدي يقول إن قواته على اتصال مباشر مع تركيا وإنه منفتح على تحسين العلاقات، بما في ذلك عقد لقاء مع اردوغان.
التقارب الأميركي التركي يدفع عبدي لتغيبر سياساته
الاكراد يبحثون عن فرص السلام والاستقرار بعد رفع العقوبات الأميركية وفك عزلة سوريا

دمشق - أعلن مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الجمعة، عن وجود اتصالات مباشرة بين قواته وتركيا، مشيراً إلى انفتاحه على تحسين العلاقات مع أنقرة، وحتى على لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المستقبل، فيما يأتي ذلك وسط تغيرات سياسية متسارعة خاصة قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه وكذلك نجاح دمشق حليفة انقرة في فك عزلتها عبر رفع العقوبات الأميركية ما سيفتح البلاد على استثمارات تفرض تحقيق الاستقرار.
وهذه التصريحات، التي جاءت خلال مقابلة بثتها قناة "شمس" التلفزيونية، تشكل تحولاً كبيراً في خطاب قسد التي طالما اتُهمت من أنقرة بأنها مجرد امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي في تركيا والولايات المتحدة. وقد خاضت القوات التي يقودها عبدي مواجهات دامية مع القوات التركية والفصائل السورية المدعومة من أنقرة طوال سنوات الحرب الأهلية السورية التي اندلعت عام 2011.
تصريحات عبدي تكشف عن تحول غير مسبوق في مقاربة قسد للعلاقات مع تركيا، ما يثير تساؤلات عميقة حول خلفيات هذا التغير ومآلاته. فلطالما كانت العلاقة بين الطرفين قائمة على صراع وجودي، يتجذر في الخلافات القومية والجغرافية، إلا أن التحولات الإقليمية والدولية يبدو أنها بدأت تفرض واقعاً جديداً.
عبدي أكد في المقابلة أن هناك "قنوات اتصال مباشرة" بين قواته وأنقرة، إضافة إلى وساطات تتم عبر أطراف ثالثة، دون الإفصاح عن تفاصيل هذه القنوات أو الجهات الوسيطة. وقال "نحن لسنا في حالة حرب مع تركيا، ونأمل أن تتطور هذه العلاقات في المستقبل".

نحن لسنا في حالة حرب مع تركيا

وربما لا يمكن فهم هذا التحول دون الإشارة إلى التطور الأبرز الذي شكل مفاجأة للأوساط السياسية والعسكرية في المنطقة، وهو إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه مطلع الشهر الجاري، وذلك بعد توصية مباشرة من زعيمه المعتقل عبدالله أوجلان.
هذا القرار المفصلي أنهى أربعة عقود من القتال المستمر بين الحزب والدولة التركية، والذي راح ضحيته عشرات الآلاف. وقد فتح الباب أمام إعادة صياغة العلاقة بين القوى الكردية في سوريا وتركيا. ويبدو أن قسد، التي لطالما وُضعت في خانة التحالف مع الحزب، تحاول عبر هذه الاتصالات إعادة تموضعها السياسي والعسكري في المشهد السوري والإقليمي الجديد.
من العوامل الأخرى التي قد تفسّر هذا التغيير في موقف قسد، هو التقارب اللافت بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي شهد زخماً متزايداً خلال الشهور الماضية. فقد دفعت واشنطن باتجاه تهدئة الجبهات السورية وضمان استقرار المناطق الحدودية، لا سيما بعد الوساطة الأميركية التي نجحت في وقف إطلاق النار بين أنقرة وقسد في ديسمبر/كانون الاول الماضي.
الاتفاق حينها أوقف الاشتباكات التي اندلعت بعد تقدم جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا نحو دمشق، وإسقاط النظام السابق بقيادة بشار الأسد، وهو حدث قلب المعادلات السياسية والعسكرية في البلاد، وأطلق ديناميكيات جديدة بين القوى الفاعلة.

وتواجه "قسد" ضغوطًا عسكرية مستمرة من تركيا والفصائل السورية الموالية لها. التواصل والحوار قد يكونان محاولة لتخفيف هذا الضغط وتجنب المزيد من التصعيد العسكري الذي قد يؤثر على قدرة "قسد" على مكافحة تنظيم "داعش" والحفاظ على سيطرتها على مناطقها.
ولا يمكن عزل هذا الانفتاح عن السياق السوري الأوسع. فقد بدأت البلاد تشهد في الآونة الأخيرة تحولات كبيرة، من بينها رفع العقوبات الأميركية، ورفع جزئي للعزلة الدولية التي فرضت على سوريا طوال سنوات الحرب. كما أن هناك مؤشرات على إقبال استثمارات أجنبية في مشاريع إعادة الإعمار، ما يتطلب حداً أدنى من الاستقرار السياسي والأمني.
في هذا السياق، يبدو أن قسد تسعى للخروج من عزلتها، وإعادة تعريف دورها كطرف فاعل في المعادلة السورية الجديدة، من خلال تبني سياسة أكثر براغماتية وانفتاحاً، حتى مع خصم تاريخي كتركيا.
وعندما سُئل عبدي في المقابلة عن إمكانية لقاء أردوغان، لم يستبعد ذلك، بل أكد أنه لا يعارض لقاء الرئيس التركي في المستقبل، مشيراً إلى أنهم "منفتحون على تطوير العلاقات، إذا كانت النية صادقة". وأضاف: "ليس لدينا خطط فورية للقاء، لكن لا نرفض هذا المبدأ".
من جانبها، لم تصدر تركيا حتى الآن أي تعليق رسمي على تصريحات عبدي، ما يفتح الباب لتكهنات حول مدى جدية هذا الانفتاح، وما إذا كان سيترجم فعلياً إلى خطوات ملموسة على الأرض.