قهوة افتراضية في عيادة الماسنجر مع البروفيسور أسعد فاضل حمودي

الحوار مع ضيفنا الباحث والمتخصص في الطب الباطني والجراحة العامة يستعرض إسهامات الأطباء العرب والمسلمين في الطب ويقدم نصائح طبية معاصرة حول الوقاية من الأمراض المهنية وأهمية الفحص المبكر ودور الوراثة مركزا على التكامل بين الطب التقليدي والبديل.
أحمد مكتبجي
بغداد

بداية وفي هذا الحوار الماتع أنوه الى أن قهوتنا الافتراضية ستغادر عوالم الأدب والقصة والرواية والصحافة هذه المرة والتي لطالما عودنا قراءنا الأحبة عليها، لنغرد في عالمي الطب والعلاج والصحة المجتمعية مع واحد من ألمع الأطباء العراقيين المبدعين، وأحد الأكاديميين المتخصصين، وعلَمٌ من أعلام الاساتذة الجامعيين الخلوقين والمتميزين، إذ لطالما استهوتني كتابة المقالات والتقارير المتلفزة علاوة على إجراء الحوارات والمقابلات والتحقيقات الصحفية مع شريحة الأطباء الأعلام ممن كانت لهم بصمات وجولات في هذا المضمار الإنساني والحيوي الكبير، وكيف لا يكون ذلك من جملة اهتماماتي وفي صدارتها، وسجلنا الطبي العربي – الاسلامي حافل بأجدادنا من الأطباء العظام يتصدرهم الطبيب المسلم "ابن النفيس" وهو أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى قبل وليام هارفي، بعقود طويلة، ومن مؤلفاته العلمية "شرح تشريح القانون" و"الشامل في الصناعة الطبيّة" و"الرسالة الكاملية في السيرة النبوية" ومن حكمه الخالدة " لنذكر دوما قولهم:إذا تساوت الأذهان والهمم، فمتأخر كل صنعة خير من متقدمها" .

كذلك الحال مع الطبيب ابن الهيثم الذي سبق علماء الغرب في علم البصريات بثلاثة قرون، ومن أشهر مؤلفاته (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) الذي تضمن وصفا لـ  1400 عقار، و" المغني في الأدوية المفردة" و"رسالة في تداوي السموم" و"ميزان الطبيب" وقد تأثر به كل من المستشرق الألماني فون زونتهايمر، والطبيب الفرنسي لوسيان لوكليرك.

وعلى منوالهم الطبيب "الزهراوي" ويعد أول من ابتكر القسطرة وطور الأدوات الجراحية وابتكر خياطة الجروح، فضلا على أنه أول من اكتشف الطبيعة الوراثية لمرض "الهيموفيليا"، وأول من وصف عملية القسطرة، وأول من توصل الى وقف النزيف بربط الشرايين بخيوط الحرير، ومن أشهر مؤلفاته "التصريف لمن عجز عن التأليف" وقد ظل مرجعا في الطب لخمسة قرون  في عامة أوروبا .

ومثلهم الطبيب الرازي الذي يعد الرائد الذي ألف في مرض الجدري والحصبة، ليكتب أول دراسة سريرية للأمراض المعدية في التاريخ البشري، وهو أول من ابتكر "الفحص السريري"، والعلاج النفسي، والعلاج المفرد، وخيوط " القصاب" الجراحية، حتى عده المؤرخ الإيطالي ألدو ميلي، من "أعظم الأطباء العرب"، ومن أشهر كتبه "الحاوي في علم التداوي" الذي ظل مرجعا طبيا لـ 400 عام، كذلك كتابه الطبي ذائع الصيت "من لا يحضره الطبيب" و"المنصوري في التشريح" ومن نصائحه الطبية الخالدة قوله "إن استطاع الحكيم أن يعالج بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السعادة..ومن تطبب عند كثير من الأطباء يوشك أن يقع في خطأ كل واحد منهم !" .

ومثلهم الطبيب والفيلسوف ابن سينا الملقب بـ"أرسطو المسلمين"والذي درج  محرك البحث العالمي غوغل على الاحتفاء بميلاده  سنويا ولاسيما وأنه قد برع  في علوم الفلسفة والطب والرياضيات والفيزياء والفلك، وله أكثر من 240 مؤلفا أشهرها "القانون في الطب" و"الشفاء" وهو القائل "الوهم نصف الداء، والإطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء.. احذروا البطنة، فإن أكثر العلل إنما تتولد من فضول الطعام" .

وعلى خطاهم زين الدين الآمدي وإن لم يكن الأخير طبيبا، إلا أنه كان أول من ابتكر طريقة الأحرف البارزة - النافرة - لمساعدة المكفوفين على القراءة، قبل الفرنسي لويس برايل بـ 550 عاما، والقائمة طويلة جدا وبما لايتسع المقام لاستعراض عشر معشارها ولو بالحد الأدنى .

ضيف كريم فوق العادة

عوداً على بدء فإن ضيف مقهى الماسنجر الطبي في هذه الحلقة  هو البروفيسور الطبيب أسعد فاضل حمودي، الذي يحمل  شهادة البكالوريوس في الطب الباطني والجراحة العامة من كلية الطب / جامعة بغداد، والحاصل على شهادة البورد (دكتوراه) في تخصص الأمراض المناعية، من المجلس العراقي للاختصاصات الطبية، يعمل حالياً استاذاً تدريسياً في كلية الطب-الجامعة العراقية / فرع الأمراض والطب العدلي الذي يترأسه.

ولضيفنا العزيز عدة بحوث علمية رصينة منشورة في مجلات عالمية متخصصة ضمن مستوعبات بحثية معتمدة، تتناول بحوثه مواضيع التقصي والتشخيص المناعي لعدد من الأمراض ومن بينها  سرطانات الجهاز العصبي، الجهاز البولي، اضافة الى مجموعة بحوث أخرى تتعلق بأمراض الجهاز الهضمي والجوانب المناعية المرتبطة بها، التهابات المفاصل المناعية والبكتيرية، التدرن الرئوي والتعقيدات العلاجية المرافقة، سرطان الثدي والتشخيص المناعي.

مارس أ.د أسعد فاضل حمودي، الطب في المؤسسات الصحية الحكومية في بداية حياته المهنية قبل انتقاله  الى سلك التعليم العالي والتدريس بكلية الطب.

تولى التدريس لأكثر من مرحلة دراسية في كلية الطب ولمواضيع متعددة ضمن الاختصاص وما حوله، شارك في عدد كبير من لجان ووحدات الكلية ذات الطابع التعليمي الاكاديمي والاداري – عضواً ورئيساً-  كما أشرف على بعض الرسائل الجامعية (الماجستير والدكتوراه)، وشارك في العديد من لجان امتحانات طلبة الدراسات العليا ولجان المناقشات في عدة جامعات عراقية.

لقد بادرنا أ.د اسعد فاضل، بسؤالنا الأول فأجاب عليه مصحوبا بابتسامته الجميلة المعهودة التي تنم عن تواضع أصحاب العلم، وعن طيب القلب، وقوة الشخصية، ابتسامة آسرة لم تغادر محياه طيلة حوارنا معه، لتتوالى الأسئلة المهمة، متبوعة بالاجابات الأهم وكلها تعنى بصحة الأفراد والأسرة والمجتمع مشفوعة بطرق الوقاية والعلاج من الأمراض الأخطر والأشهر:

* يعاني كثير من الكادحين وأصحاب الحرف اليدوية من ما يعرف بـ" أمراض المهن" وبعضها أمراض فيزيائية أو اشعاعية أو كيميائية أو بيولوجية  تتمخض عن عشرات الأمراض الجلدية والعضوية والتنفسية والهضمية الحادة بمرور الوقت، اضافة الى الإصابة بالأمراض السمع- بصرية، فبماذا تنصحون أصحاب المهن كافة للوقاية من تداعيات هذه الأمراض المزعجة والمكلفة ؟

-الوقاية من أمراض المهن تتطلب اتباع إجراءات السلامة والصحة المهنية، نحو  ارتداء الكمامات والقفازات والملابس الواقية، مثال: سترة الرصاص التي ينصح بارتدائها من قبل المصورين الشعاعيين في عيادات ومراكز التصوير الشعاعي الطبي، كذلك توفير بيئة عمل آمنة، والتدريب على التعامل مع المواد الكيميائية والفيزيائية بشكل صحيح. ولايغيب عنا دور الفحوص الدورية المعمول بها ومنها قياس نسبة الإشعاع، وأحياناً الفحوصات المختبرية ومنها فحوصات الدم لمراقبة تأثير بعض العوامل المختلفة على الصحة العامة.

 

* ما تأثير المداومة على تعاطي الأدوية المسكنة والمنومة والمهدئة، وهل كلها تؤدي الى الإدمان الدوائي لاحقا وبما يصعب علاجه مستقبلا ؟

-المداومة على تعاطي هذه الأدوية، وتحديداً المنومة منها كذلك المهدئة للجهاز العصبي، يمكن أن يؤدي إلى الإدمان الدوائي، خاصة إذا لم يتم تناولها تحت إشراف طبي. وليس كل هذه الأدوية تؤدي إلى الإدمان بالدرجة نفسها، ولكن يجب الحذر عند استخدامها. مع العلم أن تسمية "المسكنات" قد يعدها بعضهم أدوية شكلية وليست علاجية نهائيا، ولكن والحق يقال هي أدوية تقلل من الإحساس بالالام وتمنع الالتهابات الخلوية التي تحدث كثيراً في بعض أمراض العظام والمفاصل علاوة على بعض الأحشاء والأنسجة الرخوة والجلد وغيرها، بمعنى أنها ليست دائما عديمة الفائدة من ناحية العلاج والتعافي.

 

* ما هي مسببات مرض الصرع، وهل للوراثة دور في إصابة بعض أفراد الأسرة بهذا المرض ؟

-الصرع يمكن أن يكون ناتجًا عن أسباب مختلفة، بما في ذلك الوراثة، إصابات الدماغ، بعض المواد الكيميائية والأورام. فالوراثة تلعب دورًا في بعض أنواع الصرع، ولكن ليس كل الحالات تكون وراثية. ويجب التفريق بين الصرع الاختلاجات، او ما يطلق عليه شعبياً " الشمرة" التي تحدث في بعض حالات ارتفاع درجة الحرارة عند الأطفال باعمار تتراوح بين 5 شهور الى 5 سنوات، ويكون التفريق والتمييز من خلال استشارة الطبيب المختص وقيام ذوي الطفل بتوضيح تاريخ الحالة اضافة الى  أوقات حدوثها وكيفيتها.

 

* منذ انتشار جائحة كورونا ( كوفيد – 19) وتحوراتها المتلاحقة مشفوعة بتناقل العديد من المعلومات بشأن  انتقالها من الخفافيش، أو القرود لاحظنا وجود هواجس وصلت الى حد الفوبيا من مغبة انتقال بعض الأمراض الحيوانية الى البشر وفي مقدمتها الحمى النزفية، وسارس، وايبولا ، وزيكا، وجدري القرود، وحمى الوادي المتصدع، وأنفلونزا الطيور، وعلى منوالها انفلونزا الخنازير، وغيرها، ولطالما تردد سؤال حائر حول الأسباب التي تقف وراء ظاهرة انتقال بعض الامراض الحيوانية الخطيرة الى البشر، وهل لظاهرة تربية الحيوانات بأنواعها في المنازل أو بالقرب منها والتي قد شاعت مؤخرا علاقة بانتشارها؟ 

- العديد من الأمراض الحيوانية يمكن أن تنتقل إلى البشر بسبب التفاعل الوثيق مع الحيوانات، سواء كانت تلك الحيوانات أليفة أو برية. ولاشك أن  تربية الحيوانات في المنازل أو بالقرب منها يمكن أن تزيد من مخاطر انتقال الأمراض إذا لم تُتّبع ممارسات النظافة والصحة العامة بشكل صحيح. ومن شأن المسببات لكثير من الامراض، وبخاصة الفيروسات، والتي  تتعرض لتغيير متعدد في تركيباتها الجينية ما يسمح لها بإصابة الافراد بشكل متجدد برغم توفر بعض العلاجات وربما حتى بعض اللقاحات، لتتحول الإصابة من مرض يصيب الحيوانات  - حصريا - ليبدأ بالانتقال الى البشر، وقد تكون الأخطاء التي تحصل في مراكز أو مختبرات حفظ نماذج معينة من الفيروسات أو غيرها من الأحياء المجهرية لأغراض بحثية أو علاجية، لتكون سبباً في تفشي مرض معين بشكل غير مقصود.  لكن الوقاية تبقى هي السلاح الأهم وكذلك استشارة المختصين ومتابعة التوجيهات العلمية من الهيئات والمؤسسات المعتبرة والابتعاد عن الأخبار والادعاءات التي تروجها بعض المواقع والأشخاص ممن يصرحون بلا دليل علمي موثق ولا استخدام وسائل عملية معيارية (Evidence based Medicine and Standard operating procedures)

 

* لقد حل العراق في الإحصائية الدولية لمرضى السكري الصادرة عام 2024 بالمرتبة الـ 11 عربيا من بين 22 دولة، وبالمرتبة 58 عالميا من أصل 208 دولة وبنسبة إصابة بلغت 10.7 بالمئة، فما هي أسباب انتشار مرض السكري على هذا النحو المقلق، وما هي الاحتياطات الواجب اتخاذها لمنع الإصابة به فضلا على  الحد منه بنوعيه، الأول والثاني ؟

- السكري ينتشر بسبب عوامل متعددة تشمل النظام الغذائي غير الصحي، قلة النشاط البدني، والوراثة. ويظن العلماء أن قائمة الأسباب تشمل أحياناً الإصابة بفيروسات معينة أو باضطراب مناعي ذاتي (خاصة النوع الأول الذي يصيب الأطفال غالباً).

ومؤكد بأن الاحتياطات تشمل اتباع نظام غذائي صحي، ممارسة الرياضة بانتظام، والفحص الدوري للكشف المبكر عن المرض. وللفحص المختبري سياق معين يفضل اتباعه للوصول للتشخيص الصحيح بإشراف الطبيب المختص، ولا ننصح بالاعتماد على نتيجة فحص في مرة واحدة، أو بتوقيت ليس ضمن السياق التشخيصي.

* يعاني كثير من الـ شرق أوسطيين من ما يسمى بـ التهاب العصب السابع، فما هو هذا المرض وما علاجه ولاسيما بوجود بعض الخرافات والعادات الشعبية المرتبطة به ولا أساس لها من الصحة؟

- التهاب العصب السابع، المعروف أيضًا بشلل الوجه النصفي، هو حالة تؤدي إلى شلل أو ضعف في عضلات الوجه. قد ينتج ذلك من إصابة فيروسية معينة أو اضطراب عصبي في نسيج العصب أو وظيفته أو بعض الأسباب المناعية. أما العلاج فيشمل الأدوية المضادة للفيروسات، الكورتيكوستيرويدات، والعلاج الطبيعي. ولايمكن اعتماد الأساليب البعيدة عن الممارسة الطبية العلاجية الموثقة، كما نشاهدها في بعض المجتمعات، ولا يعني هذا اهمال دور ما يسمى بالطب التكميلي على أن تقدر كل حالة بقدرها.

 

* نسمع كثيرا بمرض النقرس المعروف بـ داء الملوك فماهي أسبابه، ولماذا سمي بهذا الاسم الذي يثير جانبا من التحسس الطبقي وبما يشي بأنه حكر على الأثرياء من دون الفقراء  ؟

- النقرس هو نوع من التهاب المفاصل يحدث بسبب تراكم حمض اليوريك في الجسم. يسمى بـ "داء الملوك" بسبب ارتباطه بتناول اللحوم والكحول، وهي تسمية قديمة باعتبار أن كثرة تناول اللحوم تنتشر عندهم، ولكن وفي الحقيقة يمكن لأي شخص أن يصاب به، والأطباء المختصون ينصحون بأخذ العلاج في حالة ظهور الأعراض الخاصة بهذا المرض.

 

* هناك ما يعرف بالسجل المرضي للعائلة، حيث تعاني بعض الأسر والعوائل الكريمة من أمراض وراثية يتناقلها الأبناء عن الآباء كابرا عن كابر ليس أولها الاصابة بمتلازمة اسبرجر "التوحد" ولا آخرها متلازمة داون، مرورا بأمراض السمنة أو النحافة المفرطة إضافة الى أمراض القلب والضغط والسكري والتقزم ونحوها، والسؤال هاهنا هو كيف السبيل الى فرط عقد السجل المرضي العائلي، وايقاف امتداده وتغوله وانتقاله إلى الأحفاد مستقبلا؟

- يعد توثيق التاريخ المرضي لكل شخص مهم جداً، وعند التعامل مع أحد المرضى للوصول للتشخيص والمعالجة يتم السؤال والاستقصاء عن عدة جوانب منها التاريخ المرضي للعائلة، حيث يمكن الاستدلال بشكل أو بآخر على كثير من احتمالات المرض من خلال هذا التاريخ. وأحيانا تسري بعض الأمراض في أفراد العائلة الواحدة لارتباط المرض باضطراب جيني أو استعداد عائلي لاكتساب المرض. بعض الاضطرابات الكروموسومية كالمثال الذي أوردته (متلازمة داون) ينتج عن خلل في عدد الكروموسومات وليس في جين معين، وليس بالضرورة أن يسري في العائلة نفسها.

هذا عدا ما يسمى بالعوامل المحيطة أو البيئية والتي تسهم في سريان عدد من الأمراض في العوائل..كما أن العديد  من الأمراض الوراثية تزداد وتيرتها في حالات زواج الأقارب.. لذلك فان الإستعداد لهذه الأمراض يسمى "متعدد العوامل"، ولمنع انتشار الأمراض الوراثية، يُنصح بالفحص الوراثي والاستشارة الوراثية للأسر التي لديها تاريخ مرضي. التوعية والتشخيص المبكر يمكن أن يساعد في إدارة هذه الأمراض.

 

* هناك بعض الأمراض الجلدية التي تصيب العديد من الناس والتي يتربع على صدارتها - البرص والصدفية - فلماذا تستعصي مثل هذه الامراض وبرغم التقدم العلمي والطبي الهائل ولا تستجيب للعلاج بسهولة ؟

- الأمراض الجلدية مثل البرص والصدفية يمكن أن تكون مستعصية بسبب تعقيداتها واختلاف استجابة الأفراد للعلاج. ومن الأسباب المهمة لاستعصاء بعض هذه الامراض هو أساسها الجيني او الاساس المناعي المضطرب، فبعضها ينتج من ما يسمى باضطراب المناعة الذاتية، فمن الممكن أن يهاجم الجهاز المناعي مواقع أو تركيبات معينة أو خلايا من أنسجة الجسم نفسها لأسباب جينية أو إصابات ببعض الفيروسات أو عوامل بيئية مثل الأشعة فوق البنفسجية أو غيرها، كل ذلك ممكن أن يصعب المهمة العلاجية أو يجعلها ذات تأثيرات جانبية، مع ذلك فإن البحث المستمر وتطوير علاجات جديدة من شأنهما أن يساعد في تحسين إدارة التدابير التشخيصية والعلاجية لهذه الأمراض.

 

* يشكو بعض المرضى من تباين القراءات بين مختبر للتحليلات المرضية وآخر في بعض الأحيان، فهل لهذا التباين علاقة بنوع المواد والمحاليل المستخدمة وبمناشئها العالمية، كذلك الحال مع الأجهزة الطبية والكتات فضلا على تباين خبرات القائمين والعاملين ببعض المختبرات؟

- التباين يمكن أن يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة، وهي جودة المواد والمحاليل المستخدمة، دقة الأجهزة الطبية، وخبرة العاملين وضبط أدائها. وبالإمكان  التخلص من هذه الأسباب من جانب الجهة الفاحصة من خلال اتباع معايير الجودة والسيطرة النوعية  وضمان الدقة في كل مختبر، حيث توجد برامج متعددة لفحص ومعايرة الجوانب المتعلقة بالعملية المختبرية برمتها تديرها دوائر واقسام تابعة لوزارة الصحة – في بلدنا – أما من ناحية المرضى كذلك الحال مع الأشخاص الراغبين بإجراء الفحوصات فممكن استيضاح بعض جوانب الجودة لكل مختبر والاستعانة بتجارب المرضى السابقين ومعرفتهم بالمختبرات ذات الموثوقية فضلاً عن طلب النصيحة من الطبيب الفاحص وقيامه بالنظر في النتائج المستحصلة ومقاربتها مع الفحص السريري ومضاهاتها مع التوقع الممكن للتشخيص على وفق المعايير المهنية والعلمية السليمة.

 

*الحقيقة أن ما يصدق على بعض المختبرات، يصدق على بعض المذاخر والصيدليات، فهناك من الأدوية ما يكون فعالا في علاج الأمراض التي وصفت لها وبسرعة قياسية لتسهم في تماثل معظم المرضى للشفاء عاجلا غير آجل، وهناك ما يطول العلاج به ومن دون جدوى، فهل أن مرد ذلك الى تباين نسب ومقادير المواد العلاجية بين دواء وآخر مخصص لذات المرض وبنفس التسمية، أم أن السبب يعود الى سوء التخزين، أو الى تباين معايير الجودة ورصانة المنتج بين شركات منتجة وجهات مصنعة ونظيرات لها أخرى؟

- التباين في فعالية الأدوية يمكن أن يعود إلى جملة أسباب، تشمل جودة التصنيع، طريقة التخزين، وتباين الاستجابة الفردية للعلاج، والالتزام بالإرشادات الواضحة لتناول الأدوية من ناحية الجرعة والتوقيت والإرشادات ذات العلاقة. من المهم اختيار الأدوية من شركات ذات سمعة جيدة واتباع تعليمات وضوابط التخزين والاستخدام.

 

*لقد شخصنا ومن خلال تعاملنا الإعلامي المتواصل مع بعض الجمعيات الخيرية، والمنظمات الاغاثية والانسانية، أمراضا تتسبب بأزمات مادية ونفسية وعائلية وصحية كبيرة لأصحابها، يتقدمها مرض الثلاسيميا، وضمور العضلات الشوكي، والتصلب اللويحي المتعدد، والكانسر، فيما يواجه الضحايا شفاهم الله تعالى وعافاهم أجمعين، تحديين كبيرين، أولهما يتمثل برحلة العلاج والشفاء الطويلة والمرهقة ماديا ونفسيا، وثانيها لنقص الاجهزة والمعدات المطلوبة للتشخيص المبكر والعلاج السريع مرفقا بارتفاع تكاليف الادوية والعمليات الجراحية المخصصة لها، وقد اقترح العديد من النشطاء تدخل الجهات المعنية لتوفير العلاجات الناجعة وإجراء العمليات الجراحية مجانا، أو بأسعار رمزية على الاقل للمرضى، فهل تؤيدون هذا المقترح وتشجعون عليه؟

- نعم، نؤيد فكرة توفير العلاجات والعمليات الجراحية بأسعار رمزية أو مجانًا للمرضى الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف. فهذا من شأنه أن يساعد في تحسين جودة حياتهم وزيادة فرص شفائهم. ونحن نقوم ما أمكننا ذلك بالمشاركة في لتقديم التسهيلات والمساعدة الممكنة في هذا الباب لنتعاون نحن وكثير من الزملاء، كأفراد أو جمعيات إنسانية،  مع ما يمكن الوصول إليه من المؤسسات والأطباء والصيدليات والمختبرات وغيرها لتلبية الاحتياجات والتخفيف عن كاهل المرضى وذويهم .

 

* انتشرت في غضون العقدين الأخيرين ولأسباب عديدة لا مجال لذكرها في هذه العجالة ظاهرة العلاج بالأعشاب، أسوة بظاهرة ما يسمى بالطب البديل أو التكميلي وقد افتتحت لها العديد من العيادات في عشرات المدن والاقضية والنواحي للعلاج بـ العلق ولسعات النحل والوخز بالإبر والترصيص كذلك الحجامة بنوعيها الجافة والرطبة، برغم اقتحام عشرات الطارئين ومدعي الخبرة والكفاءة لهذا المجال الحساس، فهل تشجع وزملائك من أساتذة الكليات الطبية الاجلاء على هذا النوع من التطبيب، وبماذا تنصحون من يواظبون على هذا النوع من الوسائل العلاجية البديلة، ممارسة أو علاجا؟

- العلاج بالأعشاب والطب البديل يمكن أن يكون له فوائد، ولكن يجب التعامل معه بحذر. نحن نشجع على دمج الطب البديل مع الطب التقليدي وحسب الضرورة، بشرط أن يتم ذلك تحت إشراف متخصصين مؤهلين.

وللفائدة فإن الطب التكميلي والمعالجة بالاعشاب الطبية والطب البديل يجري تدريسها والتدريب عليها في عدد من جامعات العالم بشكل يمنع تسلل غير المؤهلين لهذا العلم وتلكم المهنة ويمنح المرضى الراغبين به فرصة للحصول عليه من جهات مهنية وعلمية مرموقة. وفي الوقت نفسه فنحن ندعو الى عدم إهمال وسائل الطب المتطورة وعدم ترك الاستشارات الطبية  ومن المهم التأكد من أن أي علاج يتم استخدامه آمن وفعال، وأنصح المرضى الأحبة شافاهم الله تعالى وعافاهم بالآتي:

-استشارة الطبيب: قبل اللجوء إلى أي نوع من العلاج البديل، إذ من المهم استشارة الطبيب لضمان عدم وجود تداخلات مع العلاجات الأخرى.

-البحث عن ممارسين مؤهلين: التأكد من أن الممارسين لديهم الخبرة والشهادات اللازمة.

- الوعي بالمخاطر: فهم المخاطر المحتملة والفوائد المتوقعة من العلاج البديل.

وأما عن نصيحتي الى الممارسين فهي الآتي :

-التدريب والشهادات: يجب أن يكون الممارسون مدربين جيدًا ويحملون الشهادات اللازمة.

-الشفافية مع المرضى: يجب أن يكون المرضى على علم كامل بالعلاجات المقدمة ومخاطرها وفوائدها.

التكامل مع الطب التقليدي: العمل بشكل متكامل مع الأطباء والممرضين لضمان رعاية شاملة للمرضى.

 

* اليوم لا توجد امرأة على سطح الكوكب الأزرق لم يعد مرض سرطان الثدي بمثابة هاجسها الأكبر وعلى مدار الساعة، فما هي النصيحة الذهبية التي تقدمونها لأخواتنا الفضليات أجمعين للكشف المبكر عن المرض قبل استفحاله، وهل للرضاعة الطبيعية كما يشاع دور في الحد منه واقعا؟

- النصيحة الذهبية التي أقدمها للنساء للكشف المبكر عن سرطان الثدي هي إجراء الفحص الذاتي للثدي بانتظام، فالتدرب عليه سهل والنشرات والمطويات التي توضح ذلك متاحة وسهلة الاستخدام، إضافة إلى الفحوصات الدورية المنتظمة مع الطبيب المختص . فالفحص المبكر يمكن أن يساعد في الكشف عن أية تغييرات غير طبيعية في الثدي، ما يزيد من فرص الشفاء إذا تم اكتشاف المرض في مراحله المبكرة، علماً بأن وسائل الكشف والتشخيص قد قطعت شوطاً كبيراً في التطور والدقة وتكاد لا تخلو مستشفى من عيادة مختصة بهذا الفحص، سواء في مستواه السريري، أو التشخيصي (الشعاعي أو المختبري).

أما بخصوص الرضاعة الطبيعية، فهناك أدلة تشير إلى أن الرضاعة الطبيعية يمكن أن تلعب دورًا في تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي. والنساء اللواتي يرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية لمدة أطول يبدو أنهن يستفدن من حماية أكبر. ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن الرضاعة الطبيعية ليست وسيلة مضمونة للوقاية من سرطان الثدي، وإنما هي واحدة من العوامل التي يمكن أن تسهم في تقليل المخاطر.

ومن الضروري أن تدرك النساء أهمية الفحص الدوري والكشف المبكر، زيادة على اتباع نمط حياة صحي، للمساعدة في الوقاية من سرطان الثدي واكتشافه في وقت مبكر.

 

* هل هناك اهتمامات شخصية أخرى  خارج نطاق الطب والتدريس؟

-لاشك أنني مهتم بقراءة وتعلم وتدبر علوم  القرآن الكريم المختلفة، ولي اهتمامات  بالشعر واللغة والأدب والتاريخ، فضلا على مشاركتي في عدد من الأعمال الإنسانية والإغاثية في مفاصل متعددة وخاصة في أوقات الأزمات.

زيادة على مشاركاتي في دورات ومناهج التدريب في العديد من الجوانب الإدارية والتخطيطية والتنفيذية للمؤسسات غير الحكومية، كذلك الإغاثية، المحلية منها والدولية، إضافة الى تدريب الأفراد في عدد من الدورات على التخصصات المذكورة.

 

ختامها مسك

لم أجد بدا وبعد تلكم الرحلة الطبية الجميلة الشائقة إلا أن تأبطت أوراقي مودعا البروفيسور أسعد فاضل حمودي، ميمما  وجهي شطر شارع المتنبي بحثا عن كتاب "الطب والصيدلة في عصر الحضارة الإسلامية" وكتاب " موسوعة عباقرة الحضارة العلمية في الإسلام" وكتاب " مُعجم العلماء العرب" وكتاب " الحضارة العربية الإسلامية" لعلي أجد جلها أو كلها متمنيا، أو وبتعبير أدق – مقترحا - على عمادات المعاهد والكليات الطبية كذلك رئاسات الجامعات كافة، تخصيص مواد ثابتة ولجميع المراحل الدراسية في كليات الطب والصيدلة وطب الاسنان والتمريض والعلوم أسوة بالمعاهد الصحية والتقنية، تعنى بـ" سيرة ومسيرة الأطباء والعلماء المسلمين والعرب" لتستعرض جملة انجازاتهم وابتكاراتهم ومؤلفاتهم وحكمهم ولاسيما وأنها قد درِّست على مدار قرون في معظم الجامعات الأوروبية، وتخرج بفضل معارفها وعلومها وفنونها وأدواتها ومن بين دفتي صفحاتها، ومعين مصنفاتها الثر الدافق عشرات الألوف من الاطباء الحاذقين والمتمرسين حول العالم ولخمسة قرون خلت أو أكثر، ولله در القائل في فضل التعليم وطلب العلم والعلماء عامة، والأطباء خاصة :

أنتـم نجـوم العـدل وراث الهدي..بالحق عــن طـه لـدي الإنبـاء

أنتـم شفاء الداء إن عدم الدوا..أنتـم دواء الجهـل فـي الأحيـاء