"كتاب الروائح" يفوح بالروائح الطيبة والكريهة

عمَّان - ما الذي يحدث للإنسان أو الحيوان عندما يشم رائحةً ما؟ ما الذي يحدث في مخه من عمليات معينة عندما تصل إلى أحد مراكزه أو خلاياه العصبية هذه الرائحة أو تلك؟ وكيف يستطيع المخ تمييز الروائح، ما بين الزكية والخبيثة، أو بين الطيبة والكريهة؟ وكيف تدلنا رائحة ما على أن هذه النبتة هي الياسمين، أو القرنفل، أو الثوم أو البصل، قبل أن نراها؟ أو أن هذا الطبق الموجود على مائدة الطعام به أسماك أو برتقال أو تفاح، دون أن نكشف عنه؟

في كتابه الجديد "كتاب الروائح" الذي صدر منذ أيام عن دار الآن ناشرون وموزعون بالعاصمة الأردنية عمّان، يتجول بنا الشاعر والروائي المصري أحمد فضل شبلول في عالم الرائحة ويوضح أن هناك روائح نعرفها على الفور رغم أننا قد لا نكون رأينا المسبِّبَ لها، مثل "النفتالين" الذي يعد واحدا من أقوى الروائح، له جسم أبيض لامع متبلر ذو رائحة قوية ونفّاذة ويستخدم في صنع المواد الملوَّنوفي مكافحة العت.

ويؤكد أن الشمَّ من أبسط وسائل تمييز الأشياء دون رؤيتها. وكل ما حولنا من أشياء له رائحته المميزة التي يمكن التعرف عليه عن طريقها، لكن حاسة الشم الآدمية لا تستطيع تمييز كل هذا الكم من الروائح، فمعظم الفقاريات ذات حاسة شم أقوى من الإنسان، وهي تستخدمها في البحث عن طعامها والتعرف على أعدائها ووليفها، لذلك كان على الإنسان الاستعانة ببعض هذه الحيوانات في بعض الأحيان لرصد الروائح التي يعجز عن رصدها الكلاب مثلا.

ويشير الكاتب إلى أن العلماء يعتقدون أن هناك سبع روائح أساسية فقط يتركب منها كل الروائح الأخرى مثلما الحال في عالم الألوان الرئيسية الثلاثة، لكنهم لم ينجحوا بعد في تحديدها وتتوالى التجارب العلمية في هذا الشأن، في محاولة للوصول إلى ما يعرف بـ"الشم المرئي" وتعتمد تلك التقنية على فكرة التغير اللوني الذي يحدث في مجموعة من الصبغات عند تعرضها لبخار المواد الكيميائية المختلفة أي للروائح.

ويعتقد العلماء أن هذه الأنف الجديدة أكثر حساسية من 10 إلى 100 مرة عن أنف الإنسان في استشعار العديد من المركبات ويمكن استخدامها في مصانع الأطعمة والمشروبات للكشف عن تواجد النكهات والإضافات المختلفة بالمقادير الصحيحة في تلك المنتجات أو تحديد التالف منها وفي مصانع الروائح لكشف المنتجات المزيفة وفي أماكن تفتيش الأفراد وأمتعتهم للكشف عن وجود النباتات المحظورة أو المخدرات وذلك بمجرد تمرير الجهاز على الأمتعة.

ويوضح الكتاب أن الروائح تتميز فيما بينها باختلاف صفاتها وتراكيبها ومصادرها وهي: الروائح العطرة كالعطور والمسك والعنبر والبخور. والروائح المنعشة كالأكسجين والكحول والبصل. والروائح المخدرة: روائح المشتقات النفطية (الغاز والبنزين والكيروسين والمازوت). والروائح الواخزة: روائح الخردل والفلفل والروائح الكريهة كالمواد المتعفنة أو المصنعة الفاقدة الصلاحية أو نواتج التفاعلات. الروائح السامة: كالفوسجين وغيره.

ويتوقف الكتاب عند استخدامات الروائح ويبحث في شيزوفرنيا الشم ويتحدث عن بصمة الرائحة وذاكرة الشم وطِبُّ الروائح ويتناول بإسهاب الروائح عند العرب حيث عرف العرب عالم الروائح واستنشاقها وميزوا بين أنواعها، وإن لم يجروا تجارب علمية أو عملية على ما يحدث في المخ عند استنشاق رائحة ما، إلا أنهم عرفوا الفروق الدقيقة جدا بين رائحة ورائحة وكيف تتحول الرائحة الطيبة إلى رائحة كريهة وما الذي يحدث للبن أو اللحم أو الشراب – على سبيل المثال – إذا تُرك عددا من الأيام كما توقفوا طويلا عند رائحة الجسم وعلى الأخص جسم المرأة وما ينبعث منه من روائح قد تكون زكية وقد تكون غير ذلك.

كما عرفوا روائح النباتات والحيوانات والحشرات وغيرها وتحدثوا عن رائحة الموت ورائحة الموتى وذكرت الروائح بمسمياتها المختلفة في الكثير من أشعارهم ومعاجمهم اللغوية. وقد تميّز عصر الحضارة العربية الإسلامية بتطوير صناعة العطور التي ظلت لمئات السنين فنا شرقيا خالصا.

ويضمِّن كتاب الرائحة فقرات من رواية "الماء العاشق" لأحمد فضل شبلول التي اعتمدت على عالم الروائح في المقام الأول ولعلها كانت إحدى ثمار بحث الكاتب الموسوعي في عالم الروائح، فقد رجع الكاتب إلى أكثر من عشرين مرجعا من أمهات الكتب والكتب المتخصصة والموسوعات العلمية، ليصنِّف لنا "كتاب الروائح".

وبالإضافة إلى هذا يتضمن الكتاب ما يشبه معجم الروائح في اللغة العربية وتوقف عند الأنف والفم في اللغة العربية وتحدث عن رائحة الماء ورائحة الطِّيب ورائحة المسك ورائحة الزعفران والبخور والدِّهن وروائح الطين والعطر ورائحة الحيوان والنباتات ذات الرائحة وروائح الأطعمة والأشربة ورائحة الميت ورائحة الأخشاب ورائحة الغازات ورائحة الدخان. كما يذكر الكتاب الروائح الكريهة أو الخبيثة أو المُنتنة والحشرات والديدان التي تظهر في حالة خبث الرائحة.

كما يتناول الكتاب الروائح في الأمثلة والأقوال العربية والرائحة في الشعر والرواية ويقدم دراسة أدبية في رواية "العطر" للكاتب الألماني باتريك زوسكيند تحت عنوان رواية "العطر" وتثوير عالم الروائح.

وقد استهل الكاتب "كتاب الروائح" بمقولة وردت عن جلال الدين الرومي في "المثنوي" جاء فيها "الرائحةُ النتنةُ تجعلُ العينَ مُظلمة".

وللكاتب أحمد فضل شبلول تصانيف لغوية أخرى مثل "معجم الدهر" الذي صدر عام 1996 عن دار المعراج الدولية للنشر والتوزيع بالرياض ومعجم أوائل الأشياء المبسط 1999 عن دار دنيا الوفاء للنشر والتوزيع بالإسكندرية ومصر في القاموس المحيط عن مطبوعات الكلمة المعاصرة بالإسكندرية. وطبعة ثانية عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة 2016. ويعمل الآن على تصنيف معجم جديد في بابه يحمل عنوان "أسماء أوائل الأشياء في اللغة العربية ".