كسل حتى هلال العيد


عملية الخلط بين الالتزام الديني أو الاحتفالي على حساب العمل، أضحت سببا لتأخر المجتمعات العربية ومدعاة للترهل وانخفاض الإنتاجية والتهرب من المسؤولية، تحت بند مقدس لا يمس، اسمه الالتزام الديني.

يجلس “مواطن عربي” بين أصدقائه في أمسية رمضانية وظيفتها الثرثرة بامتياز، فلا حديث مفيدا فيها وكل ما يقال هو تكرار غير مجد.

ومن دون أي تمهيد يتحدث ذلك المواطن مع نفسه بصوت عال وبطريقة كأنه يخاطب الجالسين من أجل التعليق على ما يقول بالرغم من هزاله.

زوجتي تطلب مني القيام بمهام ملحة تتعلق بالمنزل، وأقول لها لنؤجلها بعد العيد، أولادي لديهم طلبات أيضا وأعدهم بتلبيتها بعد إجازة العيد، العمل يتطلب مني أيضا مهاما كثيرة وأعول على نفسي بأن أنجزها بعد عيد الفطر المبارك.

علينا أن نتأكد أن هذا المواطن العربي يعيش إجازة مفتوحة من الكسل، أيامه لا تختلف بأي شيء عن أيام العيد التي ينتظرها! فهو غير منتج أبدا وكل الذي يقوم به مجرد وعود فارغة أمام نفسه لا أكثر.

يستمر “المواطن” في الكلام مع نفسه بصوت عال وسط إنصات الآخرين الملتبس والمحمل باللامبالاة أو التهكم، لقد تجمعت لدي مهام كثيرة وكلها مؤجلة إلى ما بعد العيد… ويعود لإطلاق السؤال على نفسه بنوع من الاعتراف المعيب بكسله، والملامة الفارغة لذاته المترهلة: ها قد زادت المهام عليّ وصعب إنجازها بعد العيد!

وكأن بهذا الاعتراف أمام الآخرين يبرئ نفسه من الوهن الفكري والحياتي المصاب به.

كل المهام التي تحدث عنها ويؤجلها إلى ما بعد العيد كموعد احتفالي مقدس، هي نشاط يومي طبيعي يقوم به الإنسان السوي وليس النشط فوق العادة؟

هذا الرجل، وهو نسخة طبق الأصل من الملايين في عالمنا العربي، ويتضاعف عددهم أثناء شهر رمضان المبارك تحت مسوغات فريضة الصوم “أنا صائم إذا أنا لا أعمل”! جدير بوضعه تحت مجهر الدراسة من أجل اكتشاف مكامن الخلل في بنية مجتمع كامل.

عملية الخلط بين الالتزام الديني أو الاحتفالي على حساب العمل، أضحت سببا لتأخر المجتمعات العربية ومدعاة للترهل وانخفاض الإنتاجية والتهرب من المسؤولية، تحت بند مقدس لا يمس، اسمه الالتزام الديني.

لا يمكن أن نجد تفسيرا لمئات الآلاف من العراقيين مثلا وهم يقضون أياما في السير على أقدامهم من أجل الوصول إلى المراقد، غير الترهل الفكري والإيمان بالخرافة كمنقذ لهم من بؤسهم بدلا من الاجتهاد في العمل.

هل يمتلك أولئك عملا أصلا، وإذا كان كذلك كيف لنا أن نفسر أن يترك المرء عمله لأيام من أجل لا عمل.

من الطبيعي أن يبحث العاطل عن عمل، لكن من غير الطبيعي أن يترك الإنسان عمله من أجل أن تكون الخرافة منقذا له.