لعبة تكرار الكلام عن الطعام


لا أحد شعر بالملل من حديث مكرر داخل الأسر العربية على مدار شهر كامل، بينما قد تصل أضرار الكلام إلى أضرار تخمة الطعام.

ليس أسوأ من تذمر الرجل من نوعية الطعام، سوى انتقاد المرأة للطعام بلا سبب، إن لم تجد المرأة من يمتدح طعامها على مائدة الأسرة، ستجد لها أكثر من سبب للحديث عنه، هذا الحديث هو في حقيقة الأمر نوع من الانتقاد لا علاقة له بالتواضع!

كان حديث الطعام عنوانا مكررا في أحاديث الأسر على مدار شهر كامل في أماسي رمضان، لكنه لسوء الحظ لم ينته مع انتهاء شهر رمضان المبارك، لأنه الموضوع الذي لا يمل تكراره، مع أن الوعي والطموح وكياسة الكلام ترفض الأحاديث المكررة وتنظر إلى أصحابها بعين واطئة، لكن حديث الطعام المكرر يبقى يحمل شيئا ولو ضئيلا من الفائدة.

الرجال سيئون بلا أدنى شك وهم يعبرون عن تذمرهم من طعام نسائهم بطريقة تفتقر إلى الذوق والحس والكياسة، لأن غالبيتهم مسكونون بفكرة الانتقاد الخالية من الهدف، وفي نهاية الأمر تعرف النساء أنهم سيتناولون الطعام الذي انتقدوه بشهية، ليس لأن لا خيار آخر عندهم، بل لأن انتقادهم كان من أجل الانتقاد لا أكثر!

لكن أن تنتقد المرأة طعامها فذلك أسوأ من الرجال! في حقيقة الأمر أن المرأة تحب الكلام عن طعامها، وإن لم تجد من يعلّق عليه تبتكر قصة لإغراء الآخرين للحديث عنه، ومثل هذا الإغراء لا يكون من دون نقد وإشارة إلى النواقص وعدم تناسب المطيبات ومعدل درجة الحرارة، وفي أسوأ الأحوال كمية الملح.

ثمة نوعية من الرجال يفضلون الصمت على إعطاء الخسائر في الثرثرة والخلاف، يقبلون بكلام نسائهم على عواهنه من أجل راحة البال، لكن مثل هذه الحال لا تنفع مع المرأة التي تبدي ملاحظات ناقدة على طعامها من أجل تشجيع زوجها على لعبة الكلام المكرر.

إنه أمر يثير الملل بلا أدنى شك، لكنه لم يكن كذلك على مدار شهر كامل، كان التكرار عنوان أحاديث برامج الطعام التي برع فيها التلفزيون أكثر مما برع في الدراما وتصوير الأغاني، والتكرار في وصلة الحديث اليومي الذي يبدأ من الاتفاق على نوعية الإفطار مبكرا ولا ينتهي حتى اقتراب السحور.

لا أحد شعر بالملل من حديث مكرر داخل الأسر العربية على مدار شهر كامل، بينما قد تصل أضرار الكلام إلى أضرار تخمة الطعام! أضرار الكلام لا تقل عن أضرار الطعام، فليست المعدة وحدها بيت الداء، اللسان أيضا.