كلمات أثارت الشجن

الأسباب التي تدفع الإنسان العربي للخوض في السياسة هي شدة ما يعاني من فقر وقمع ودمار.

في كلمة لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد قال أن المجتمع يحتاج إداريين وليس سياسيين، وهو محق في ذلك، وفي حوار مع محمد صلاح نجم كرة القدم المصري قال أنه لا يتدخل في السياسة ولا يفعل شيئا سوى كرة القدم، فلماذا يتعب الناس أنفسهم بالتدخل في السياسة؟

المتحدثان يتمتعان بكاريزما استثنائية ونجاح منقطع النظير. لكن ماذا عن الإنسان العادي الذي لا يجد فرصة له ولأبنائه، ويجاهد حتى ينقطع ظهره لكسب الرزق، ألا تدفعه الخيبات المتكررة أن يفكر لماذا هو وغالبية أفراد المجتمع يعانون كل هذا العناء دون جدوى، حتى أنهم لا يستطيعون الاستراحة في أيام الإجازات الطبيعية التي يقرها القانون، وربما يبحثون عن عمل إضافي في يوم الإجازة، الهم الرئيسي للناس هو الرزق، فلا يملك الكادحون إلا أن يتساءلوا لماذا لا نعيش حياة مريحة ولماذا نحن في توتر دائم؟

عندما يبدأ الإنسان بالتفكير الجاد ويجمع المعلومات من هنا وهناك، تكتمل الصورة في عقله، فيجد نفسه يتحدث في السياسة رغما عن أنفه، فيشارك في حديث الناس ويخبرهم بما علم، فيقول أن الفساد هو مصيبة الدول العربية، فيقول آخر، لا بل شح الموارد، فيعلق آخر، لا بل هو الابتعاد عن الإسلام، فيتدخل آخر بالقول أن أوروبا تقدمت دون إسلام، فيؤكد آخر أن العلمانية هي الحل، فيقول آخر، لا بل لدينا موارد ولكن التجارة الحرة أقعدتنا وأغلقت مصالحنا، وهكذا يستمر الجدل إلى ما لا نهاية. والكل متمسك برأيه، والصحيح أن الأسباب التي قدموها مجتمعة أسباب كافية لسوء الحال والبحث عن الأسباب والحلول.

ليس هناك من يتطوع للحديث في السياسة لو لم يفكر بوضعه أولا ثم وضع من حوله ثم وضع المجتمع بشكل عام. وفي الدرجة الأولى تأتي مشكلة الفقر ثم مشكلة التقاليد الاجتماعية التي تجبر الإنسان العربي على إنجاب عدد من الأطفال لا يستطيع إعالتهم، فيحمل هما أكبر مما يحتمل، ثم مشكلة الفساد التي تجعل البعض يملكون المليارات من المال العام، ثم مشكلة رجال الدين الذين يصدرون فتاوى حسب رغبة حكامهم ويجدون في الدين أدلة على الفتوى ونقيضها في آن واحد، ثم مشكلة البرلمانات التي لا تقوم بدورها وتصفق للحاكم مهما كان رأيه، وانظروا للبرلمان السوري الذي لا ينبس ببنت شفة ويصفقون ويقفون إجلالا للحاكم، كما أن هناك مشكلة خنوع الشعوب وعدم ممارسة الضغط على حكوماتهم خوفا من البطش والتنكيل، وهناك مشكلة العنصرية التي تدفع ببعض الجهلاء للتهجم على الآخرين وتقسيمهم حسب أصولهم وجذورهم التاريخية، وهناك زعماء يتآمرون مع الأعداء لتدمير البلاد العربية ويذكون النزاعات ويدمرون البيوت على رؤوس أصحابها، وهناك الكثير من المشاكل التي ينوء العربي بثقلها.

هذه هي الأسباب التي تدفع الإنسان العربي للخوض في السياسة لشدة ما يعاني من فقر وقمع ودمار. وإذا صمت، فسوف يأتي عليه وقت ليصرخ بأعلى صوته حين يصل الدمار إلى بيته، وسوف يقوم بتسجيل شريط يشتم فيه العرب ويصفهم بالجبن والتخاذل، والذي يشاهد ويسمع كل ذلك، يفهم أن المشكلة عميقة جدا ومتشعبة، فإذا كان متعلما وتحتاجه الدول الغربية، فإنه يحمل متاعه ويهاجر، وينزع الوطن من قلبه مكرها وهاربا من الطوفان قبل أن يصله ويصل أطفاله.

لماذا محمد صلاح لا يتدخل في السياسة؟ لأنه موهوب وحاصل على جنسية بريطانية ويكسب الملايين سنويا، فكم محمد صلاح يوجد في المجتمعات العربية؟ إن غالبية الناس لهم قدرات عادية ولا يجدون الظروف المناسبة للعيش الكريم، ويحاولون الهجرة وربما لا ينجحون، فيجدون أنفسهم واقعين في ورطة، ولا مخرج منها، ألا يحق لهم محاولة تشخيص واقعهم الأليم؟ إنها المساحة الصغيرة المتاحة لهم لكي يعبروا عن أشجانهم.