لبنانية تتمرّد على التقاليد بامتهانها قص شعر الرجال

الشابة إيلي-آنج وهبة تمكنت من تحقيق حلم لا يشبه أحلام غيرها من الفتيات بتحويلها إحدى غرف منزلها صالون حلاقة للرجال.

بيروت - في إحدى غرف شقتها، قررت الشابة اللبنانية إيلي-آنج وهبة تحقيق حلم يراودها منذ الطفولة، لا يشبه أحلام غيرها من الفتيات، إذ فتحت ابنة الـ20 عاما منذ 4 أشهر صالون حلاقة للرجال في منطقة كفرشيما شرقي لبنان، في خطوة غير مألوفة بشكل عام في البلاد.

وتقول إيلي-آنج "بعد نيلي الشهادة المتوسطة، دخلت معهدًا لتعلم الحلاقة للرجال، وبعدها بدأت بالعمل في صالونات عدة في منطقتي ومناطق مجاورة، حتى استطعت فتح صالوني الخاص".

وتتابع "منذ طفولتي كنت أحب الذهاب مع والدي إلى حلّاقه، وفي أحد الأيام كنت أراقب حلّاق والدي، ليخطر على بالي السؤال التالي: لماذا لا أكون أنا مكان الحلاق؟".

وأشارت إلى أن أهلها عارضوها عندما طرحت عليهم فكرة تعلم الحلاقة للرجال، مضيفة "لكنني طفلتهم الوحيدة ولا يرفضون لي طلبا، فتركوا لي حرية الاختيار، علمًا أنهم اعتقدوا أنني لن ألتزم بهذه المهنة على المدى الطويل وسأستبدلها عاجلا أم آجلا لكن هذا لم يحصل".

ولفتت إلى أنها في المعهد حيث تعلمت المهنة كانت الفتاة الوحيدة بين 15 شابا وكانت المدللة هناك، ولغاية اليوم لا تزال على تواصل معهم ومع الأساتذة.

وتحكي الشابة العشرينية عن صعوبة أول يوم عمل لها في صالون حلاقة للرجال، مشيرة إلى أن الصعوبة الأولى كانت اختلاف نمط حياتها عن النمط الذي يسود في الصالونات، خاصة وأنها كانت تتحدث بلغة أجنبية أكثر من العربية.

وأعربت عن شعورها بالتوتر الشديد في يومها الأول، مضيفة "كان من الصعب عليّ التعامل مع الزبائن باللغة العربية"، فعلى الرغم من أن العربية هي لغة اللبنانيين، إلا أن الكثير من الأهالي يتجهون لتعليم أطفالهم لغات أجنبية منذ الولادة، خصوصًا الفرنسية الإنجليزية، ما يجعل الأولاد أحيانا يجدون صعوبة في الحديث باللغة الأم.

وحول بداية مشوارها تقول الحلّاقة الشابة "أول متطوع كان والدي، كنت خائفة وارتكبت بعض الأخطاء في التعامل معه عند القص وتصفيف الشعر، لكن الحاضرون دعموني ولم يخافوا من أن أقصّ لهم شعرهم لكن بالمقابل، هناك بعض الزبائن يخافون من أن تقص شعرهم فتاة".

ومن الناحية التقنية، تضيف إيلي-آنج "كانت الصعوبة التي عانيت منها في بدايات عملي في قصّ الشعر من الجهة العلوية، لأن ذلك يتطلب أصابع طويلة بينما أصابعي صغيرة، وأخذت بعض التقنيات سنوات لأمتهنها بشكل تامّ، حتى صرت اليوم واثقة من نفسي وأستطيع التعامل مع أي نوع شعر أمامي".

قبل افتتاح صالونها الخاص، عملت وهبة لنحو 4 سنوات في صالونات أخرى، الأمر الذي لم يخلُ من المعاناة عند تقديم طلب الوظيفة وفق ما تقول، والتمييز الذي لاقته خلال فترة التدريب مقارنة بزملائها من الشبّان.

وتوضح الشابة العشرينية "عند تقديمي لطلب وظيفة عانيت قليلا من فترة التمرين والامتحان التي كانت تطول أكثر مقارنة بشاب جديد في الوظيفة، حتى إنهم كانوا يمتحنون طريقة تعاملي مع الرجال وليس فقط طريقة عملي"، مؤكدة على أن "رفض توظيفها كان يأتي في كثير من الأحيان نتيجة عدم العادة على أن تعمل فتاة كحلاق للرجال".

ووسط الأزمة الاقتصادية في البلاد، قررت وهبة منذ 4 أشهر أن تفتح صالونها، بعدما صار لديها زبائن.

ومنذ أكثر من 3 أعوام، يعاني لبنان من أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية.

وقالت الشابة اللبنانية "منذ عام بدأت أشتري بعض المعدات والآلات الخاصة بالحلاقة وبعض الكراسي، ووضعتُ الأغراض في شقتي دون أن يكون لي أي مخطط لفتح صالوني الخاص".

وتابعت "في أحد الأيام، حصل خلاف بيني وبين صاحب الصالون وغادرتُ العمل، لأبدأ مرحلة من الضغط النفسي والحزن لأني لا أعمل ولا أعرف كيف أتصرف"، مضيفة "بالوقت نفسه، كان الزبائن يتصلون بي ليحصلوا على موعد، لذا كنت أحيانا أذهب لمنزلهم، وبعدما كثرت المواعيد قررت أن أنشئ صالوني الخاص وهم يأتون إلي بدل الذهاب إليهم".

ولفتت إلى أنه "خلال يومين فقط وبمساعدة والدي ودعم والدتي، استطعت ترتيب وتجهيز صالوني، وصار جاهزًا لاستقبال الزبائن".

ولم تخفِ قلقها من القيام بهذه الخطوة، خصوصا من ألا يأتي إليها الزبائن، لافتة إلى أن "ما حصل كان معاكسًا وعدد الزبائن يزيد بين يوم وآخر".

وذكرت إيلي-آنج أن زبائنها تحولوا إلى عائلة، مشيرة إلى أن "ما يميّز صالوني هو أنني خصصتُ مكانا ليلعب الزبائن طاولة الزهر خلال انتظار دورهم، وهم فرحوا جدا بهذا الأمر".

ولا تتوقف الشابة اللبنانية عن تطوير نفسها، كما تنصح زبائنها الرجال بالتسريحات التي تليق بهم، وتقول "أطور نفسي عبر متابعة كل مستجدات موضة القصات والأشكال والألوان خارج لبنان عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

ومع الأيام، يكبر حلم إيلي-آنج حيث تلفت "طموحي أن يصبح لي أكثر من فرع لصالوني في لبنان وحتى خارج البلاد".

وتوجهت إلى كل من تحب ممارسة مهنة غير مألوفة في المجتمع، بالقول "رسالتي إلى كل فتاة أن تقوم بالمهنة التي تحبها ولو كانت غير مألوفة، ورغم رفض أهلها في البداية لكنهم سيفتخرون بها في وقت لاحق، ومن الرائع أن تقوم الفتاة بعمل مميز وخاص بها".

وتؤكد وهبة "نحن اليوم في عصر منفتح ويمكن أن نطور من أنفسنا ولا فرق بين رجل وامرأة"، لافتة إلى أنه "من المهم أن يفعل الشخص ما يحبه، ففي البداية كنت سأدرس مهنة لا أحبها فلم أستطع إكمال ذلك، لكن أنا اليوم أشعر بالفرح في صالوني وبين أغراضي ومع زبائني".