لطيفة الحاج تتناول اضطرابات الأكل في كتاب
أبوظبي - حَفلت السرديات العربية في الآونة الأخيرة بمحكيات المرض والمعاناة الجسدية والنفسية بوصفها شهادة على تجربة وتسجيلاً لواقع، بحيث تكون في مستوى ما من التمثيل السردي، ردا صوريا على حالة الموت المجازي التي تسكن باطن الجسد السقيم وهو ما يزال حيا، وهو أيضا ما تؤول إليه رواية "أنروكسيا: تحت جناح النسر" منذ عتبة العنوان الأولى التي تستحضرها الكاتبة لطيفة الحاج باعتبارها عنوانا من جهة، وثيمة مهيمنة على طول النص بشكل مباشر، من جهة أخرى، وتعني بها ثيمة المرض، فـ"أنروكسيا" هو مرض فقدان الشهية العصابي واضطرابات الأكل الذي يصاب به بعض الأفراد من دون أن يدرك المحيطين بهم أسبابه، وهو المرض الذي شُخِّصْت به "سلامة" بطلة هذه الرواية والتي حلمت أن تكون عالمة بيولوجية كأستاذتها في الجامعة، هذا قبل أن يأخذ المرض منها حلمها وتجد نفسها في مستشفى خاص بأمراض الأنروكسيا يحيط بها الممرضين والمعالجين من كل جهة وهي ما تزال تصارع المرض مع أخريات مثلها، ولكل مريضة حكايتها مع الأنروكسيا التي سترويها سلامة مع كثير من الأحلام والآمال بغدٍ خالٍ من السقم والمرض.
ما يميز هذه الرواية التي جاءت في 142 صفحة والصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون، هو القدرة على المزاوجة بين القنوط والأمل، والبلاغة التصويرية في التقاط تفاصيل الألم الحسي والنفسي في الآن ذاته، والذي يحضر في الرواية كحصيلة أسلوبية لدرامية افتراضية بين الذات وباطنها، أو بتعبير أدق بين الإحساس بالعلة المفضية إلى الشعور بالعجز، والرغبة في البقاء والشفاء، مع تمكن واضح من رسم عوالم تخييلية بالغة التأثير عن مشاعر الألم المرضي وماهيته وتجلياته.
من أجواء الرواية نقرأ:
"أتحسّس جسدي، هذا النحول الفاتن، هو كل ما يليق بي، يمنحني التميّز والاختلاف والتفوّق. ينبعث الدخان من جديد، فتاة تشبهني، لا إنه شاب، طويل، خفيف وجميل مثل حلم. يبتسم لي، تنتابني رغبة في البكاء. هكذا كلما ابتسم لي أحد شعرت برغبة في ذرف الدموع. أعترف له بفشلي. فشلت في أشياء كثيرة، في صداقاتي، في استبقاء أبي على قيد الحياة، في استعطاف أمي وكسب ود شقيقاتي. لكنني نجحت أخيرا في أمر ما وتميّزت فيه، اختلفت عن كل أفراد عائلتي، أصبحت الأكثر نحولاً، وشحوبا واكتفاءً واحتفاءً بالألم والوحدة والجوع. أمي التي حيّرتني بتناقضاتها منذ وفاة أبي، تعطف عليّ حينا وتهملني أحيانا كثيرة، صارت تهتم بي. لا تتوقف اتصالاتها مع بن حماد رغبة بأن أصير بخير. أمي التي لم تكن تكترث بي وأشعر بغيرتها مني على أبي، من تمييزه لي وحبه المختلف ناحيتي، المشغولة بأختيّ الأخيرتين، وبصديقاتها والأعراس والمناسبات التي تحضرها صارت تهتمّ بي...".