لماذا تشوش قطر على قمة الرياض؟

المتابع لقناة الجزيرة القطرية، يجدها بدأت التمهيد مبكرا للنيل من القمة العربية في الرياض منتصف أبريل الجاري، وأخذت تشحذ هممها للثأر من جامعة الدول العربية، لأن محاولات السيطرة على مفاتيحها الرئيسية باءت بالفشل. وتقود الآن حملة منظمة للتشويش على استعدادات السعودية.

الصعوبات التي تواجهها مؤسسة الجامعة في العمل المشترك، ليست خافية على كثيرين، مع ذلك حافظت على الحد الأدنى من الحضور والتفاعل مع الأزمات العربية، على المستويين الإقليمي والدولي، وبقي هيكلها الرئيسي، ولم ترضخ لضغوط قطر.

الحملة التي ظهرت مؤشراتها على قناة الجزيرة وتوابعها مؤخرا، لم تكن بريئة بالمرة، فهي تريد النيل من مصداقية الجامعة التي وقفت إلى جوار الرباعي العربي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، الذي كشف حجم العلاقة بين الدوحة وتنظيمات الإرهاب والعنف والتطرف في المنطقة.

المتابع لما دار في كواليس الجامعة العربية خلال الأعوام الماضية، يلاحظ أن قطر سعت لاستثمار النتائج السلبية التي أفرزتها الثورات في بعض البلدان، أملا في وضع يدها على مفاصل العمل العربي، من خلال الترويج لمرشحها عام 2011، أو عبر من تولوا منصب الأمين العام، لكنهم امتنعوا عن التجاوب مع تنفيذ أغراضها في بعض القضايا إلا قليلا.

الخطة التي رسمتها قطر، قامت على الاستفادة من انشغال مصر بهمومها الداخلية، وصعود التيار الإسلامي في بعض الدول العربية، لكنها تلقت ضربة قوية عندما انتبهت مصر لما تدبره الدوحة، وفوتت عليها فرصة اختطاف المنصب والقرار في الجامعة العربية.

الابتزاز الذي كانت تمارسه قطر لبعض الدول لم يستمر طويلا. والانتقائية التي تعاملت بها مع كثير من القضايا المطروحة في المنطقة أصبحت أبعادها واضحة. ولي أعناق بعض الملفات، كان ظاهرا بصورة تصب في مصلحة دول غير عربية وجدت في مؤسسة الجامعة خطرا على مصالحها، بحكم ديمومة اجتماعاتها على مستويات، القمة والوزراء والمندوبين، ما يعني أنها لا تزال تنبض بالحياة، على الرغم من التآكل الذي نخر في بعض أطرافها.

نعم فقدت الجامعة العربية جانبا من بريقها السياسي لدى البعض، لكن وجودها كرمز أصبح شوكة في حلق قوى ترمي للهيمنة على المنطقة. في مقدمتها إيران وتركيا، وهما من أهم حلفاء قطر، وتستند عليهما في مواجهة الدول التي كشفت مخططاتها لتفتيت الكيانات العربية، الأمر الذي ظهر في سوريا والعراق واليمن وليبيا. وهناك موقفان كاشفان لهذه العلاقة.

الأول، عندما استخدمت الجامعة العربية لهجة حادة في ختام الاجتماع الوزاري العربي في مارس الماضي، لادانة الصواريخ التي أطلقها الحوثيون في اليمن على الأراضي السعودية. يومها وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني الجامعة بأنها "مؤسسة متعفنة". وشن الإعلام القطري بالتوازي حملة ضارية عليها، لأن موقفها كان مناهضا لممارسات طهران ورافضا لأطماعها الإقليمية.

الموقف الثاني، ظهرت معالمه في الغضب الذي عبر عنه مولود حمروش وزير خارجية تركيا في اللقاء الذي جمعه مع أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة، على هامش اجتماعات مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي في فبراير الماضي، عندما زعم حمروش أن الجامعة وقفت في طريق الأردنيين والفلسطينيين ومنظمة المؤتمر الإسلامي للتصدي لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده للقدس المحتلة.

هذه النوعية من المواقف تبين حجم الشوفينية الإيرانية والتركية، وتؤكد أن هناك رغبة عارمة في الهيمنة على المنطقة العربية، وأي دولة أو جهة أو مؤسسة تحمل في قلبها نبضا عربيا تمثل عائقا أمام رغبات طهران وأنقرة، وهو ما يتسق مع ما تقوم به الدوحة وأدواتها السياسية والإعلامية، التي تصب حصيلتها في صالح كليهما.

الالتصاق في المواقف القطرية تزايدت ملامحه عقب مقاطعة الرباعي العربي للدوحة، تحت مبرر البحث عن حماية إقليمية جديدة. والحقيقة أن التقارب بين الجانبين ظهر منذ فترة عبر تبني قطر لأجندة تتسق مع رغبات الدولتين، فِي مقدمة أولوياتها العمل على هدم المؤسسة التي تحتوي الدول العربية، تمهيدا لإيجاد مظلة لا تحمل الهوية العربية.

التصعيد الذي تقوم به الجزيرة وأخواتها الآن، يتجاوز حدود هدم الجامعة، ويستهدف السعودية التي سوف تقود العمل العربي لمدة عام مقبل، ما يعني المزيد من كبح الجموح القطري، والحفاظ على قدر جيد من التماسك والرؤية المشتركة، والوقوف بقسوة في وجه طموحات كل من إيران وتركيا في المنطقة العربية.

الشكوك المنظمة التي تثيرها الدوحة، هدفها الضغط على مؤسسة القمة العربية وحرف المسار عن الاهتمام بالإرهاب وتدخلات طهران السافرة وجنوح أنقرة للعنف، وشغلها بقضايا جانبية تلفت الانتباه بعيدا عن هذه الملفات الجوهرية. وتلعب قطر في هذا المضمار دور رأس الحربة للدولتين لتخريب التحركات الهادفة لحشرهما في زاوية ضيقة.

قمة الرياض متوقع أن تكون فاصلة في القضايا التي ستطرح عليها، والقرارات المتوقع أن تصدر عنها، والخطوات التنفيذية التالية. فلم تعد الأمور تتحمل مناقشة قضايا مركزية وصدور قرارات دون أن ترافقها مواقف صارمة تعمل على تنفيذها عمليا.

الرعونة التي بدت على كثير من تصرفات الدوحة تخفي وراءها فشلا في تحريك المشهد الإقليمي بما يخدم أهدافها، عقب صمود الضغوط التي يمارسها الرباعي العربي، والفشل في استمالة قوى دولية داعمة.

لم تجد قطر وسيلة سوى الاحتماء بكل من طهران وأنقرة، وهو ما وجدت فيه بعض الأطراف أداة لتكريس التفسخ داخل الدائرة العربية. وإذا كانت الدوحة نجحت في استقطاب دول عربية كي تقف مع أو قريبا من حساباتها الخفية، فقد فشلت في تمزيق الكيان الذي يضم هؤلاء.

استمرار عمل الدوحة بهذه الطريقة يؤثر سلبا على مؤسسة الجامعة العربية. لذلك انتبهت الدول الكبيرة لما تخطط له، واتخذت تدابير تحول دون تحقيق أغراضها من خلال الحضور الكثيف للرؤساء والملوك والزعماء العرب المتوقع في قمة الرياض. وهي إشارة بالغة وكفيلة لتوجيه لطمة على وجه الراغبين في التسريع بإعلان وفاة الجامعة العربية.