لمصنع لافارج الفرنسي في سوريا قصة أخرى

لمحاكمة شركة لافارج الفرنسية للاسمنت أهمية قصوى في قطع الدعم المادي والموارد عن المنظمات الإرهابية، لكن الوضع الحالي مازال مستمرا في تجاهل مسؤولية دولة وكيف استفادت دول أخرى من ذلك التواطؤ.
كيف تحول مصنع لافارج إلى قاعدة للأميركيين والفرنسيين
دول متدخلة في الصراع السوري اتخذت من مصنع لافارج خط إمداد استراتيجي

بيروت - صدر حكم على عملاق الإسمنت الفرنسي 'لافارج'، بدفع 778 مليون دولار غرامة، على خلفية إدانته في تهم تقديم دعم مادي لجماعتين مصنفتين إرهابيتين وهما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة.

وبعد سنوات من المحاولات الفرنسية للتستر على مخالفات 'لافارج'، يُسهل هذا الحكم الملاحقات القضائية على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية من قبل مسؤولي الشركة والمسؤولين الفرنسيين.

لكن لمصنع 'لافارج' للإسمنت في سوريا قصة أخرى غالبا ما يتم التغاضي عنها حول كيفية خدمته للجيش الأميركي.

وقال المدعي الأميركي للمنطقة الشرقية من نيويورك بريون بيس الذي أعلن الحكم ضد لافارج، إنه "لم يسبق أن اتُهمت شركة من قبل بتقديم الدعم المادي والموارد لمنظمات إرهابية أجنبية، لذلك تعكس هذه التهمة والقرار غير المسبوق الجرائم غير العادية المرتكبة".

وشدد بيس على أن الشركات "التي تتخذ إجراءات تتعارض مع مصالح أمننا القومي في انتهاك للقانون ستخضع للمساءلة ".

ولمحاكمة لافارج أهمية قصوى لقطع الدعم المادي والموارد عن المنظمات الإرهابية، لكن الوضع الحالي مازال مستمرا في تجاهل مسؤولية دولة وكيف استفادت دول أخرى من ذلك التواطؤ.

ويقع مصنع لافارج للإسمنت على مفترق طرق بين مدينتي حلب (شمال) والرقة (شمال شرق) وعلى الطريق السريع 'إم 4' الاستراتيجي.

وهذا الموقع ذو أهمية إستراتيجية قصوى، فعندما هاجم داعش بلدة عين العرب (كوباني) في 2014، انطلق من محافظة الرقة، عبر مصنع الإسمنت.

كما أن الطريق السريع 'إم4' يربط شمال شرق سوريا بالساحل السوري والطريق السريع 'إم5' الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب. وبشكل عام، تمر جميع المعاملات الاقتصادية واللوجستية في سوريا عبر هذين الطريقين السريعين.

وبعد أن استعادت وحدات حماية الشعب الكردية الذي تصنفها أنقرة تنظيما إرهابيا وتعتبرها  فرعا لحزب العمال الكردستاني، مصنع الإسمنت، تستغل حاليا جماعة إرهابية أخرى القيمة اللوجستية للمصنع.

وكانت مرافق التخزين الكبيرة والمجمع الصناعي حاسمة في اندفاع الوحدات الكردية نحو مدينتي الرقة والطبقة. وبفضل الجهود الفرنسية، لم يتم تدمير المصنع بضربات التحالف الدولي أثناء سيطرة داعش عليه.

ومثلما تتجاهل المحاكم في الولايات المتحدة وفرنسا المساعدة المالية التي قدمتها لافارج إلى تنظيم 'بي كي كي'، يتم أيضا تجاهل دور المصنع بعد 2014. ومع سيطرة الوحدات على المصنع، اختارت الولايات المتحدة الموقع لنشر أفرادها العسكريين.

وكانت القاعدة العسكرية الأميركية متمركزة في لافارج، واستخدمت المصنع كمنصة لطائرات الهليكوبتر، وزُعم أنها استخدمت في القتال ضد داعش.

وكانت وحدات التخزين الكبيرة في مصنع لافارج للإسمنت مفيدة لتخزين إمدادات الأسلحة للوحدات الكردية والجنود الأمريكيين.

ولم يكن عدم تدمير المصنع يؤمن الاستثمار الفرنسي فحسب، بل أيضا إنشاء قاعدة عسكرية قوية ومهمة للولايات المتحدة في سوريا.

ولولا الجهود الفرنسية للحفاظ على المصنع من خلال الدفع لمنظمات إرهابية مثل "بي كي كي" وداعش والقاعدة بين 2012 و2014، لم تكن لتتمكن الولايات المتحدة من العثور على مثل هذا الموقع المهم.

ومن المحتمل أن يتم تقسيم المصنع إلى قطع وبيعه في السوق السوداء في سوريا، كما حدث للمصانع الأخرى في البلاد.

وعلى الرغم من أن المحاكم الأميركية أدانت لافارج، إلا أنه يمكن إنكار أن الجرائم المنسوبة للفرنسيين في ما بعد خدمت الوجود الأميركي في سوريا.

وأنشأت الولايات المتحدة خط إمداد لوجستي جيد التخطيط من الحدود العراقية إلى منطقة منبج في غرب نهر الفرات واستمر خط الإمداد هذا في توصيل الأسلحة والذخيرة إلى الوحدات الكردية في منبج.

وبوجود الولايات المتحدة في مصنع الإسمنت كانت لافارج أحد مراكز التوزيع لهذا الخط اللوجستي. وحافظت الولايات المتحدة على وجودها العسكري في الموقع الذي زود داعش والقاعدة بما لا يقل عن 9.13 مليون دولار من المداخيل.

وعلى هذا النحو، استضاف مصنع لافارج للإسمنت أيضا عسكريين فرنسيين إلى جانب جنود أميركيين وكما هو معروف من المعلومات الاستخباراتية، استفادت السلطات الفرنسية من علاقة لافارج بداعش والقاعدة.

واستفادت الدولة الفرنسية من لافارج عسكريا. ومع ذلك، فإن لافارج الوحيدة التي حُكم عليها بالغرامات والمصادرة.

وفي 2019 وبتعليمات من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، انسحب الجيش الأميركي من الموقع، وفقًا لاتفاق تم التوصل إليه مع دمشق وموسكو.

وبعد ذلك دخل جنود روس وقوات تابعة للنظام السوري إلى مصنع لافارج وبهذا التغيير انسحبت الولايات المتحدة إلى شرق سوريا، وانتقلت القوات الروسية إلى منبج وشرق الفرات حتى خط تل تمر والقامشلي.

ومنذ ذلك الحين، استخدم الجيش الروسي نفس الخط اللوجستي الذي كان يستخدمه الجيش الأميركي، لكن في الاتجاه المعاكس لمنبج باتجاه الحدود العراقية.

ووفر هذا الخط اللوجستي الإمدادات للعناصر الروسية وقوات النظام السوري المنتشرة في مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية.

ويحتاج دافعو الضرائب في الولايات المتحدة إلى معرفة ما حدث لموقع المصنع بعد 2014، وكيف ولماذا تمت حمايته واستخدامه من الجيشين الفرنسي والأميركي.

ويركز التحقيق القضائي الحالي فقط على تمويل داعش والقاعدة، لكن لم يتم الإشارة إلى استخدام واشنطن وباريس للمصنع ولاحقا دمشق وموسكو.