لمن تقرع الأجراس

شبابنا إما مهاجرون أو وقود في صراعات المنطقة التي ترعاها إيران.
إن تفويت الفرصة على ايران لا يكون من خلال القتال بين العرب
يمكن للعرب التصالح ووقف القتال فيما بينهم

"لمن تقرع الأجراس" رواية لإيرنست همنجواي ولكنه مقتبس من كتاب تأملات لجون دون (1624) حيث يقول فيه: "لسنا جزرا مستقلة بذاتها، كلنا جزء من القارة، جزء من كل. فإن جرف البحر حفنة من التراب نقصت أوروبا، موت أي كائن ينتقص مني، فأنا معني بالبشرية، ولذا لا تراسلني أبدً لتسألني لمن تقرع الأجراس؛ إنها تقرع من أجلك." والجرس يقرع في الكنائس عند موت انسان مسيحي، والمقصود هو "من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة آية 32) وهذا يدل على أن المفاهيم الانسانية هي مفاهيم مشتركة بين البشر، فكيف اذا كان القاتل والقتيل أشقاء؟

إن حرب اليمن مؤسفة وقبلها الحروب في العراق وسوريا وليبيا وبين العرب جميعا، فهي تضعفنا وتقوي أعداءنا فيطمعون أكثر ويندفعون أكثر، والتفاوض يهلك الوقت والأرواح ويمتد كما لو كان صخرة ثابتة على صدور الناس، لأن الأمور المتصلة بالعقيدة لا يمكن الجدال فيها والتوصل الى نتيجة، وكان الأولى بالعرب أن يتفرغوا لتحديث دولهم واستبعاد المعتقدات والأديان والمذاهب والطوائف من الحياة اليومية وتوفير حياة مريحة للجميع وتطبيق القانون على الجميع لينصبوا على العمل المثمر وبذل أقصى الجهد للحفاظ على البلاد والأرزاق والاعتزاز بالحضارة والتنمية، وسوى ذلك لا طائل منه وهو هدر للموارد المادية والبشرية.

ليس هناك حل للمأساة التي يعاني منها العرب سوى توفير فرص عمل لكل القادرين على حمل السلاح لكي يجدوا مصدر دخل فيحملون منجلا بدل السلاح وطالما أنهم ضائعون فسوف تتلقفهم قوى الشر حتى يهلكوا جميعا، ولا فائدة من استمرار القتال لأنه لن يتوقف إلا بهزيمة قاسية لأحد الأطراف المتناحرة بعد أن يحرقوا البلاد.

لو كان الأمر بيد العدو، لكان الوضع لا يمكن السيطرة عليه، ولكنه بيد العرب ويمكنهم التصالح ووقف القتال، هكذا بدون مقدمات، ويعود المقاتلون الى ثكناتهم ومن ثم تكثيف الجهود لسحب الميليشيات الشيعية من حضن ايران ودمجهم في امتدادهم العربي، فهم بالأصل لا يوجد بينهم خلافات وكل ما في الأمر هو أن فئة من العرب تسوؤها الأوضاع المعيشية وانعدام العدالة الاجتماعية فانضموا الى ايران وتحالفوا معها ووثقوا بها لأنها ترفع راية الاسلام والجهاد فتبنوا هذه الرسالة وأخذوا على عاتقهم تنفيذها لانعدام البديل وليس لأنهم مقتنعين بها، والدليل هو أن الشعب العراقي لم يكن يعرف طائفته واذا سألته يقول "لا أعلم" وذلك قبل غزو العراق، فكيف تغيرت القناعات بين ليلة وضحاها؟ لقد دفعهم اليأس الى ذلك وإلا لكانوا اتخذوا هذا الموقف قبل غزو العراق بكثير.

إن تفويت الفرصة على ايران لا يكون من خلال القتال بين العرب، بل من خلال جذب الشباب الى حياة مدنية حديثة يجد الفرد فيها فرصته ويعيش حياة مريحة ويحرص على أسرته ووطنه ولا يترك النعمة لينضم الى مشاريع تغرس التخلف والاحتراب فلديه مكاسب لا يضحي بها مقابل الدمار والموت. ولنكن واقعيين ونواجه أنفسنا، فالوطن لم يعد ذلك المفهوم الثابت الذي لا يتزعزع، ومن السهل جدا على الانسان أن يترك وطنه ويتخذ لنفسه وطنا آخر ويحمل جواز سفره، وهذا ما يستميت الشباب العربي في سبيله، فقد كرهوا الحياة والأوطان وبحثوا عن بدائل فمنهم من هاجر ومنهم من حمل السلاح. هل هذا هو الحل؟ ولو كانوا سعداء في عيشهم، لما حملوا السلاح من أجل ايران ولا غير ايران، ولا بد من حل شمولي ولا ينفع في مثل هذه الظروف الحلول الجزئية والتفاوض، فيما يزداد الدمار والخراب.