لم يحن الوقت بعد

كان على زيلينسكي أن يدرك قبل اقدامه على مغامرته ودعوة الناتو أن هناك قدرا تاريخيا ــ جغرافيا مشتبكا يقف بين الحلم والواقع.

أكان انتماء أوكرانيا إلى حلف الناتو مجرد مزحة أميركية دفع ثمنها الشعب الأوكراني؟

يقول مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان "إن الجهود الأوكرانية للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي يجب أن تتم في وقت مختلف".

لم يحن الوقت إذاً. بعد حرب مدمرة دفع العالم كله ثمنها. حوصرت روسيا وفُرضت عليها عقوبات مجنونة وانهارت علاقتها بأوروبا بدلا من أن تتحسن.

من جانبها لم تكن روسيا قليلة الحيلة حين شنت حربا اقتصادية على أوروبا، يُقال إنها كانت سببا في تدهور الأوضاع المعيشية لفئات أوروبية كثيرة. حرب كانت في حقيقتها ليست قضية أوكرانية ولم تكن حسابات الرئيس زيلينسكي صحيحة ولم تستند إلى أية مصلحة وطنية. كانت تلك هي حرب الغرب على روسيا التي وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن شروطها في العيش الآمن، من غير تهديدات صواريخ الناتو على أراض كانت في الأمس القريب جزء من منظومة كانت روسيا تقودها ضمن جغرافية الاتحاد السوفييتي السياسية.

وإذا ما كان الغرب بزعامة الولايات المتحدة قد أبدى استعداده لفتح الحدود أمام حشود اللاجئين الأوكرانيين وتقديم المساعدات المادية والعسكرية للحكومة الأوكرانية فإنه لم يكن على استعداد للدخول في حرب مع روسيا قد تخطئ طريقها إلى السلاح النووي.

ذلك ما هدد به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين أشار إلى أن يده قريبة من الزر النووي.

لقد ارتكبت أوروبا حماقة كبيرة حين اتبعت الولايات المتحدة بطريقة صبيانية فاتخذت مواقف سياسية غبية من الحوار مع روسيا الذي كان من الممكن أن ينجو بأوكرانيا من خراب مؤكد ويدفع عنها صفة الضحية في اختبار، تبين في ما بعد أن الولايات المتحدة غير مستعدة للمضي به حتى النهاية.

لم يكن الاختبار الروسي بالأمر الهين. كان ثمنه باهضا بالرغم من أن الولايات المتحدة لم تساهم في دفع جزء من ذلك الثمن. أوروبا التي اندفعت بغباء مع السياسة الأميركية لم تدرس جيدا ما الذي يمكن أن يؤدي إليه تدهور علاقتها بروسيا. ناهيك عن مسؤوليتها عن الكارثة التي اصابت دولة أوروبية أصبحت طعما لحرب هي ليست حربها. جريمة ارتكبتها الأطراف كلها. ليست روسيا وحدها هي الطرف الوحيد المسؤول عن تلك الكارثة.

الآن بعد التردد الأوروبي في قبول أوكرانيا عضوا في الاتحاد الأوروبي وبعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن أن الوقت لم يحن بعد لانتماء أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، ما الذي يمكن أن يقوله زيلينسكي لشعبه؟

بالنسبة لذلك الشعب المعذب فإن الأمر لا يخلو من خيانة. وهي خيانة سيدفع ثمنها الرئيس زيلينسكي وحده. فهو لن يستطيع الكلام عن الولايات المتحدة التي خانته وتخلت عنه وتملصت من وعودها. سيحمله الشعب المسؤولية كاملة. لقد باع بلده لقاء أوهام. ولكن ما الذي سيقوله زعماء فرنسا والمانيا وايطاليا والسويد الذين شجعوه على المضي في تحديه الفارغ وهم يدركون أن الحبل سينقطع به ويسقط لتكون جثة المهرج بمثابة شهادة على غبائهم السياسي؟ 

إلى وقت قريب كان الحديث يدور عن هزائم روسية على مختلف الجبهات غير أن كلمة واحدة من بوتين وضعت حدا لكل ذلك الحديث السائل الذي يصف انهيار دولة وعذابات شعبها كما لو أنه واحدة من ألعاب الفيديو. كانت أوكرانيا تختفي مترا بعد آخر في الوقت الذي تتسلى وكالات الأنباء بنقل أنباء الانتصارات. اما حين قال الرئيس الروسي كلمته فإن كل الآمال قد تلاشت ولم يعد الحديث ممكنا عن أوكرانيا المحصنة بسلاح حلف الناتو وبعضويتها في الاتحاد الأوروبي.

من المؤكد أن الأوكرانيين كانوا يحلمون بالفضاء الأوروبي الواسع وبحماية شكلية أميركية غير أن ذلك الحلم لن يتم تحقيقه عن طريق تحدي روسيا. فذلك انتحار مؤكد. كان على زيلينسكي أن يدرك قبل اقدامه على مغامرته أن هناك قدرا تاريخيا ــ جغرافيا مشتبكا يقف بين ذلك الحلم والواقع.   

 لم تكن روسيا قبل أن ينشط زيلينسكي في مجال تشجيع التمييز العنصري تفكر في ضم الأجزاء الروسية من أوكرانيا إلى أراضيها بالرغم من أنها سبق لها وضمت شبه جزيرة القرم ولم تكن الولايات المتحدة جادة في احتضان أوكرانيا قبل أن يلوح زيلينسكي بعدائه لروسيا الذي هو العمود الفقري لبرنامجه السياسي.

وبسبب حماقة زيلينسكي وإصراره على عدم انجاح المفاوضات مع روسيا فإن الحرب ستنتهي لكن بهزيمه الشخصية. ستتخلص أوكرانيا منه باعتباره رمزا لحرب قذرة.