نجاح سوري مقابل فشل عراقي
تراهن أطراف كثيرة، عربية وعالمية على نجاح تجربة التغيير السياسي في سوريا ولكل واحد منها دوافعه وأسبابه. البعض من تلك الدوافع والأسباب مفضوح وهناك ما ينتمي إلى العالم السري الذي تم فيه التجهيز لتلك العملية.
في المقابل هناك مَن لا يصغي إلى الجملة التي تؤكد على خصوصية التجربة السورية "سوريا ليست عراقا آخر" متوقعا ألا يتمكن السوريون من تجاوز أسباب الفشل العراقي لا لشيء إلا لأنهم وقعوا مبكرا في الفخ الطائفي كما أن الإرادة الوطنية المستقلة غائبة في ظل احتلالات متعددة لأجزاء من الأراضي السورية من جهة ومن جهة أخرى هناك غموض يلف طبيعة العلاقات بين القوى الإقليمية والدولية التي وقفت وراء ذلك التغيير وأنجحته. لا يتعلق ذلك الغموض بالنوايا والمصالح حسب، بل وأيضا بتقنيات وأدوات العمل من أجل إنجاح تلك التجربة وصنع اتجاهاتها.
وليس من قبيل التشاؤم أو التفاؤل أن يُطرح سؤال من نوع "هل سيتمكن السوريون من تجاوز أسباب فشل العراقيين في بناء دولة حديثة؟" وهنا ينبغي أن نضع في الاعتبار أن التغيير في العراق وقع بعد احتلاله من قبل قوة عظمى هي الولايات المتحدة وأن إيران كانت دائما طرفا ضاغطا من أجل سرقة المبادرة من أيدي العراقيين وعدم السماح لهم بحرية الحركة والاختيار من خلال ميليشياتها وأحزابها التي وقع اختيار الأميركان عليها باعتبارها الظهير المحلي لمشروعهم في إلغاء الدولة الوطنية وإحلال النظم الطائفي محلها.
سوريا ليست العراق بالتأكيد. بيئة مختلفة، تاريخ سياسي مختلف، مجتمع مختلف. ناهيك عن الظرف الإقليمي والمناخ الدولي المختلفين. الزمن اختلف أيضا. 2025 هي ليست 2003. الخبرة في العراق يمكن أن تشكل مرجعية لكل القوى وفي مقدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لتساعد على تجاوز النكسات التي حدثت سابقا وكانت سببا في ضياع العراق في متاهة فساد لا تزال الأحزاب الطائفية تشق دروبها المسدودة وفي الوقت نفسه تبذل قصارى جهدها لمنع أية محاولة محلية للبحث عن مخرج.
واضح من خلال الحيوية السياسية التي تحيط بالتغيير السوري عربيا وعالميا أن النظام السوري الجديد قد جُهزت له حاضنة تنتشله من أخطائه المتوقعة. تلك أخطاء هي جزء من نسيج القوى التي تشكل بنية النظام السياسي البديل وهي قوى عقائدية مقاتلة لا علاقة لها بالفكر السياسي الحديث ولا تنتسب إلى رؤى الدولة الوطنية. كانت الفصائل التي قُدر لها أن تفتح دمشق في مكان آخر. مكان بعيد عن كل ما تداوله السوريون أثناء حراكهم السياسي الذي نتج عنه عشرات الآلاف من القتلى وملايين المشردين واللاجئين والنازحين إضافة إلى الخراب الذي ضرب مدنا أساسية في سوريا كحلب وحمص وحماه.
وعلى الرغم من أن العنف الذي مارسته الفصائل تحت غطاء رسمي ضد العلويين في الساحل والدروز في دمشق كان محل استياء دولي غير أن ذلك لم يدفع إلى اتخاذ مواقف متشددة من الإدارة السورية الجديدة التي لم يحملها أحد مسؤولية ما جرى. وهو ما يشير إلى أن الأطراف التي ساهمت في التغيير السوري تملك ما يدفعها إلى النظر بأمل إلى مستقبل مشروعها من غير أن تقلقها أحداث عنف طائفي متوقعة ولا يمكن منع وقوعها بسبب تركيبة الفصائل التي لم تجر بعد تصفيتها من العناصر المتطرفة وقد لا يجري ذلك في وقت قريب.
وإذا ما عدنا إلى المقارنة بين التجربتين، العراقية والسورية لابد أن نذهب إلى طبيعة التعامل الدولي مع كليهما، فهي معيار لمعرفة الحيز الذي تحتله كل واحدة منهما في العقل السياسي الدولي. لقد تُرك العراقيون لسنتين وهم يذبحون بعضهم البعض الآخر أمام أعين العالم وفي ظل وجود قوات الاحتلال الأميركي. كان هناك صمت ثقيل ومريب هو دليل رضا على ما كان يجري. ذلك ما لم يحدث حين اندلعت أحداث العنف في الساحل السوري أو في جرمانا بدمشق. يكفي أن إسرائيل هددت بالتدخل، بل أنها قصفت منطقة القصر الرئاسي بدمشق. يعني ذلك أن سوريا لن تُترك كما لو أنها غنيمة حرب فازت بها الميليشيات كما حدث للعراق الذي نَظمت انتخاباته لتفوز بها الأحزاب الدينية الموالية لإيران.
نجاح التجربة السورية هو نجاح للمزاج السياسي الدولي الذي عمل على إزاحة بشار الأسد بالإتفاق مع روسيا لتحل محله فصائل متطرفة كانت إلى وقت قريب جزءا من التنظيمات المطلوبة للعدالة الدولية بتهمة الإرهاب. تلك مفارقة ينبغي دائما النظر إليها باعتبارها قاعدة التغيير هناك.