ليبيا: توافق المصالح وسقوط الخلافات السياسية

ضاع الفرق بين المختارين والمنصبين عندما يتعلق الأمر بالمال الليبي.

الصديق الكبير الذي يتربع على عرش بيت مال الليبيين (البنك المركزي) منذ قيام الثورة أي 13 سنة بدعم بريطاني اميركي، يطالب مجلس النواب في فرض ضريبة على بيع النقد الاجنبي لأجل توفير العملة الصعبة الآخذة في الاضمحلال وكان قد عدد مصروفات الحكومة وانها انفقت اموالا طائلة دونما الاستفادة منها في مشاريع التنمية، ما جعل طاقم الدبيبة يرد عليه بانه لم ينفق الارقام التي ذكرها الكبير واعتبر ان جزءا منها انفق في مجالات التنمية ضمن مشروع عودة الحياة. الدبيبة والكبير كانا على وفاق تام لكن يبدو ان هناك امورا جعلت الكبير ينأى بنفسه عن الفساد المستشري في الحكومات الليبية المتعاقبة لكنه ظهر الى العلن، ولم تعد التغطية عليه ممكنة، فأثر ان يوجه التهم الى رفيق الامس. محاولة يائسة يبدو انها لن تفيده كثيرا الا اذا اراد ان يمشي في خط وقف الهدر العام والدعوة الى انتخابات رئاسية وبرلمانية طال امدها.

مجلس النواب والذي كان قد اقال الكبير لكنه لم يفلح، فادرك قوة الداعمين للكبير فما كان منه الى الاستجابة لطلبه. فتم اصدار قرار بذلك (فرض الضريبة بنسبة 27%) يحمل الرقم 15 لهذا العام 2024 على ان يكون ساريا حتى نهاية العام ما لم يجدد له!

اجتماع القاهرة الثلاثي المنعقد مؤخرا دعا الى تشكيل حكومة جامعة تسعى الى الانتخابات. اثنان من الحاضرين (المنفي وتكاله) كانا محسوبين على الدبيبة. والمؤكد ان هناك ضغوطا دولية بالخصوص، كانت هناك فكرة تعويم حكومة الدبيبة بان يبقى في السلطة مع بعض التعديلات على وزرائه، يبدو انه لم يعد هناك بد من ازاحته وهو المتشبث بالسلطة الى ابعد الحدود من خلال تثبيت اركان حكمه بالهبات المالية السخية على الميليشيات المتمكنة في غرب البلاد.

انها المصالح التي جمعت بين افرقاء الامس وفي نفس الوقت فرقت بين اصحاب الامس. السياسة هي فن اجادة الممكن فلا صديق دائم ولا عدو ازلي.

المؤكد ان الضريبة المضافة على بيع النقد الاجنبي سيتحملها المواطن الذي يكابد من اجل لقمة العيش التي اصبحت جد صعبة. ما لم يتحرك فان القادم أسوأ.

أي معنى لدولة يقوم فيها السفير الاميركي بالاجتماع باي مسؤول فيها واملاء شروطه؟ أي معنى لأي مسؤول يتلقى اوامره من الخارج ويقوم بتقديم الولاء والطاعة له واخباره بكافة الوسائل الممكنة بأوضاع البلاد السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية ليقوم الخارج باتخاذ ما يلزم؟

أي معنى لمجالس مناطقية محلية تجتمع الى سفراء ومسؤولين اجانب وتناقش الاوضاع المحلية معهم؟ واستجدائها بطلب العون والمساعدة؟

أي معنى لقبول هبات خارجية (رغم ضآلتها) لبعض المؤسسات الحكومية؟ هل ميزانية الدولة لا تكفي؟ ربما بسبب الفساد الذي اثقل كاهل الخزينة العامة، أم انها اصبحت عادة ولا تنفق وفق المعلن عنه؟ بل هي نوع من الرشاوي لرؤساء تلك المؤسسات والبلديات؟

مسيرة جد مؤلمة، فهل يتم التعافي منها بإجراء الانتخابات ومحاكمة المقصرين؟ ام انها زوبعة في فنجان؟ الايام القادمة كفيلة بتبيان الحقيقة وتعرية اصحاب الفخامة والسيادة الذين تاجروا بسيادة الوطن في سبيل تحقيق مصالحهم، المختارون والمنصبون لا فرق بينهم، فهم سواء في الازمة.