ليس مهما ما تقوله الولايات المتحدة عن الإرهاب

الإرهاب من وجهة نظر الولايات المتحدة لا يُقاس بميزان واحد وليس له تعريف يمكننا من خلال العودة إليه أن نحكم بعدالة على ما يحدث.

ليس كل مَن حمل السلاح بطريقة غير قانونية ارهابيا من وجهة نظر الولايات المتحدة. في عام 2000 قتلت القوات الأميركية قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني وبمعيته أبو مهدي المهندس باعتبارهما إرهابيين، غير أنها لا تعتبر الكثير ممن كانوا أتباعا مخلصين للإثنين ولا يزالون يحملون صورهم ويقيمون لهم أنصابا إرهابيين. وليس خافيا على أحد أن فصائل الحشد الشعبي التي يمولها العراق هي أذرع إيرانية تتلقى التعليمات مباشرة من الحرس الثوري الإيراني الذي وضعته الولايات المتحدة على قوائم الارهاب عام 2019 وهو ما لم يجد قبولا لدى الاتحاد الأوروبي الذي سبق لبرلمانه أن اعتبر وبأغلبية تلك الجماعة منظمة إرهابية. وفي ذلك تلعب أوروبا الدور نفسه الذي لعبته حين انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بقرار من رئيسها دونالد ترامب. وهو ما يزيد الموقف الغربي من مسألة الإرهاب غموضا والتباسا إلى درجة يشعر المتابع معها بالريبة من الميزان الذي يستعمله الغرب في تعريف الإرهاب.

لقد شنت الولايات المتحدة حربا على الإرهاب بعد أن سمحت لتنظيم داعش باحتلال الجزء الأكبر من العراق وترويع سكانه المدنيين وممارسة كل أنواع العنف الجسدي والنفسي بحقهم انتهاء بالسماح له بتدمير آثار الحضارة القديمة في العراق وسوريا. ثلاث سنوات أعلن فيها ذلك التنظيم الإرهابي دولته التي شهدت إقامة أكبر سوق للسبايا في العصر الحديث. وحين أُتخذ قرار الانتهاء من تلك المسرحية تم تدمير مدينة الموصل التي هي ثاني المدن العراقية من حيث الكثافة السكانية من غير أن يتم تقديم أحد من زعماء التنظيم الإرهابي إلى محاكمة علنية يتعرف العراقيون من خلالها على ما حدث لهم. مُحيت الموصل من أجل أن تُمحى آثار داعش فيها. أما الدواعش الذين تضمهم السجون العراقية فأغلبهم من ضحايا نظام المخبر السري إضافة إلى أن هناك الكثير من النساء اللواتي تم اعتقالهن بشبهة انتماء أخوتهن أو أولادهن إلى التنظيم الذي لم تُعلن حتى اليوم هويته.

هناك ما يُريب فعلا في الحرب على الإرهاب، ناهيك أن الميزان كان مختلا دائما. ما شهدته سوريا منذ عام 2011 يؤكد أن الولايات المتحدة قد وضعت كل ثقل حلفائها في المنطقة من أجل دعم وتمويل وإسناد جماعات وتنظيمات إرهابية وهو ما أثبتته الوقائع على الأرض واعترفت الولايات بجزء منه حين صنفت تنظيم جبهة النصرة باعتباره جماعة إرهابية. أما أن يكون القرار السياسي الأميركي أقوى من البداهة القانونية فذلك أمر يمكن فهمه من خلال تفحص العلاقة بحزب الله. كل الصفات القانونية الدولية المتعارف عليها فيما يتعلق بتعريف الإرهاب تنطبق على ذلك الحزب، بدءا من أسمه الذي ينطوي على التمييز والاستعلاء والتكفير. أما دفاتره فكلها حكايات تروي استقواءه على الدولة اللبنانية وانتصاره على الشعب اللبناني. وإذا كان حزب الله لم يُعلن عن ولادة دولته مثلما فعل تنظيم داعش بسذاجة أو امتثالا لتعليمات مشددة فلأنه يخطط أن يكون لبنان كله دولته فليست إمارته أهم من أن يكون لبنان كله محافظة إيرانية.

ما نتذكره أن المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني كان قد أصدر فتوى بعد احتلال العراق بعدم جواز مقاومة المحتل وهو ما أوقع جيش المهدي الذي كان يقوده مقتدى الصدر في حرج. أما حين حاصرت القوات الأميركية النجف عام 2004 والتي التي يقيم فيها الصدر فقد تم الإعلان عن نقل السيستاني إلى لندن بغرض العلاج. وكان واضحا أن السيستاني لم يكن يرغب في أن يكون شاهدا على خراب المدينة المقدسة. وبالرغم من تلك الحرب الضروس لم يتم تصنيف مقتدى الصدر إرهابيا ولم يُلحق تنظيمه بقائمة التنظيمات الإرهابية، حتى بعد ما ارتكبه في الحرب الأهلية من جرائم تم توثيقها بالأفلام. كان مقتدى الصدر عبر العشرين سنة الماضية جزءا من العملية السياسية في العراق، إذا لم نقل إنه كان عنصرا ضروريا في التسوية الأميركية الإيرانية في العراق.

بعد كل هذا يمكن القول إن الإرهاب من وجهة نظر الولايات المتحدة لا يُقاس بميزان واحد وليس له تعريف يمكننا من خلال العودة إليه أن نحكم بعدالة على ما يحدث. وهو ما يوجب على دول المنطقة بعد أن أُبتليت بالإرهاب أن تنأى بنفسها عن السياسة الأميركية وتطبق المعايير الحقيقية على كل ما يقع خارج القانون في محيطها. فالميليشيات العراقية على سبيل المثال هي تنظيمات إرهابية كما هو حال حزب الله في لبنان. وليس مهما والحالة هذه ما تقوله الولايات المتحدة.