مأزق ماكرون في الجزائر.. مصالحة بالتستر على الانتهاكات؟
باريس - يواجه الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الذي أعلن قصر الاليزيه أمس الأحد أنه سيزور الجزائر الأسبوع المقبل لإعادة إحياء الشراكة بين البلدين بعد شهور من التوتر، مطالب من منظمات حقوقية تدعوه لعدم التستر على ما وصفته بـ"انتهاك" النظام الجزائري لحقوق الإنسان وتدهور وضع الحريات و"انحرافه (النظام) نحو الاستبداد".
وكان ماكرون قد واجه في السابق انتقادات حادة على خلفية الدعم الذي أبدته فرنسا لرئيس المجلس العسكري لتشاد محمد إدريس ديبي إتنو الذي تولى السلطة خلفا لوالده ادريس ديبي الذي قتل في الجبهة خلال هجوم لاحدى الجماعات المتمردة.
وتسود مخاوف من أن الرئيس الفرنسي الذي اتهم سابقا بازدواجية المعايير في التعامل مع الانقلابات العسكرية في افريقيا، قد يتغاضى على الانتهاكات الحقوقية لضمان مصالح بلاده وهو أمر قد يتكرر خلال زيارته للجزائر.
وأثار ماكرون غضب الجزائر في أوج الحراك الشعبي في 2019 الذي أطاح بنظام بوتفليقة ولاحقا مع من تولوا تباعا السلطة خلفا له ومن بينهم الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، بعد أن انتقد عنف السلطات في مواجهة المحتجين.
وليس واضحا ما إذا كان ماكرون الذي يحرص على إنهاء التوتر مع الجزائر بعد نكسات عسكرية في منطقة الساحل الإفريقي، سيثير مع نظيره الجزائري قضايا حقوق الإنسان والحريات ومنها نشطاء الحراك المعتقلون أم أنه سيتفادى ذلك حتى لا يشوش على أهداف زيارته.
ويزور ماكرون الجزائر مثقلا بأكثر من ملف خلافي منها ملف الذاكرة الاستعمارية وتصريحاته قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة حول استغلال النظام الجزائري لـ"ريع الذاكرة" وهو أمر يجعله على الأرجح في غنى عن إثارة قضية حقوق الإنسان.
وأكدت 13 منظمة حقوقية في رسالة مفتوحة إلى ماكرون السبت أنها "تأمل" أن تكون الزيارة "مثمرة للبلدين المرتبطين ارتباطا وثيقا بالتاريخ والجغرافيا والثقافة واللغة وبكل التبادلات والشراكات القائمة منذ الاستقلال".
وأضافت الرسالة "السيد الرئيس هناك موضوع خطير يجب عدم التستر عليه خلال الزيارة: هو الوضع الحالي لحقوق الإنسان في الجزائر".
ونددت المنظمات "بنحو 10 آلاف حالة توقيف تبعها أكثر من ألف احتجاز احتياطي في انتهاك لقانون العقوبات مارسه النظام منذ بداية" تظاهرات الحراك المؤيدة للديمقراطية، في فبراير/شباط 2019.
وأكدت الرسالة أن "رد السلطات الجزائرية على التطلعات الشعبية كان بسياسة قمعية غير مسبوقة بإستراتيجيتها الإرهابية لإسكات الشعوب التي تعيش حالة انفصال عن قيادات النظام السياسي الحالي".
وشدّدت المنظمات التي وقعت الرسالة على أن "بعض المكتسبات التي تم تحقيقها بعد عقود من الكفاح بشأن حرية التعبير والتنظيم والتظاهر والصحافة والنشاط السياسي في تدهور حاد، وعلى طريق الزوال"، لافتة إلى أن "كل أشكال التعبير خارج خط النظام تُقمع بشكل منهجي".
وأكدت أن "الانتشار الجزائري ليس بمنأى بسبب التزامه، ودعمه الكبير والمتواصل للحركة الشعبية"، مشيرة إلى أن "الجزائريين في فرنسا ولكن أيضا الفرنسيين من أصل جزائري يخشون إجراءات انتقامية خلال ذهابهم إلى الجزائر، ما يقيّد حريتهم بالتنقل".
وجاء في الرسالة أيضا "مسافرون لم يقترفوا ذنبا سوى بالتعبير عن رأيهم، اعتقلوا ومنعوا من مغادرة الأراضي الجزائرية. نشطاء سياسيون وصحافيون مقيمون في فرنسا يلاحقون أمام القضاء الجزائري ما يثير قلق أسرهم المقيمة في الجزائر".
وقالت المنظمات "السيد الرئيس لا يمكنكم التغاضي عن هذا الانحراف الاستبدادي للنظام الجزائري"، مضيفة "نحن، منظمات الانتشار نخشى بشكل كبير من تطور النظام السياسي الجزائري نحو الاستبداد وعلينا واجب التعبير عن قلقنا العميق لكم بشأن الوضع الخطير على الحريات الأساسية في الجزائر في ظل النظام الحالي".
وتأتي زيارة ماكرون إلى الجزائر في أعقاب فترة حملت في طياتها كثيرا من الرمزية لا سيما بعد إحياء الذكرى السنوية الستين لتوقيع اتفاقيات إيفيان (18 مارس 1962) التي وضعت حدا لحرب استمرّت سبع سنوات بين الثوار الجزائريين والجيش الفرنسي، واستقلال الجزائر (الخامس من يوليو/تموز 1962) بعد استعمار فرنسي دام 132 عاما.
وتأمل باريس والجزائر طي سلسلة من الخلافات والتوترات بلغت ذروتها في سبتمبر/أيلول 2021 بعدما اتّهم ماكرون النظام "السياسي-العسكري" الجزائري بتكريس سياسة "ريع الذاكرة" بشأن حرب الاستقلال وشكك في وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي.