ماكرون يعود إلى أزمة لبنان من بوابة 'استبدال القيادة'

الرئيس الفرنسي يؤكد رغبة بلاده في "المساعدة على نشوء حل سياسي بديل من دون أي تساهل مع القوى السياسية"، داعيا إلى "عدم التنازل عن أي شيء للذين أثروا في السنوات الأخيرة ويريدون البقاء ويمارسون الابتزاز".
فرنسا تحاول عبثا منذ 2020 إنقاذ نفوذها في لبنان والشرق الأوسط
الرئيس الفرنسي يريد عقد قمة إقليمية للبنان استنساخا لمؤتمر بغداد
ماكرون يدعم ميقاتي في خطوة تعمق الانقسامات اللبنانية

بيروت - عاد الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الذي يحاول عبثا منذ سبتمبر/أيلول 2020 المساعدة على حل الأزمة في لبنان، مرة أخرى بعد انكفاء لشهور ليخوض في الشأن اللبناني، داعيا إلى إزاحة القادة الحاليين الذي قال إنهم يعرقلون الإصلاحات في تصريحات من شأنها أن تثير سخط الطبقة السياسية الحاكمة والتي تعتبر مثل هذه التصريحات تدخلا سافرا في الشأن اللبناني.

والرئيس الفرنسي الذي سبق أن شبهت حكومته السابقة وضع لبنان بغرق سفينة تيتانيك وحملت بشدة على النخبة السياسية الحاكمة وحمّلتها مسؤولية الأزمة الطاحنة، يحاول أن يلعب دورا وازنا بينما يسعى لتوسيع نفوذ بلاده في الشرق الأوسط في مواجهة التمدد الروسي والأميركي والإيراني والتركي في المنطقة المضطربة.

وجاءت تصريحاته حول لبنان بعيد رعايته 'مؤتمر بغداد2' في القمة الإقليمية التي استضافها الأردن مؤخرا وخصصت عناوينها لدعم العراق وسيادته بينما استحوذت قضايا الهامش على القمة من الملف النووي الإيراني إلى الحوار السعودي الإيراني.

ونظر للقمة على نطاق واسع على أنها قمة لتعزيز النفوذ الفرنسي أكثر منها محاولة لحل الأزمات المستعصية.

ولا تخرج تصريحاته عن لبنان عن سياق إثارة الضجيج وإظهار الحضور الفرنسي في خضم التنافس على النفوذ والمصالح في المنطقة.

وشدد ماكرون في مقابلة مع ثلاث وسائل إعلام بينها صحيفة النهار اللبنانية نشرت الجمعة على ضرورة "تغيير القيادة" في لبنان و"إزاحة" القادة السياسيين الذين يعرقلون الإصلاحات، معتبرا أن "مشكلة لبنان هي حل مشاكل الناس وإزاحة الذين لا يعرفون كيف يفعلون ذلك".

ورأى أن المطلوب بعد ذلك "إعادة هيكلة النظام المالي ووضع خطة مع رئيس نزيه ورئيس حكومة نزيه وفريق عمل ينفذها ويحظى بدعم الشارع"، مضيفا "يجب تغيير قيادة هذا البلد".

ولا يزال لبنان من دون رئيس للجمهورية منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ولم يتوصل النواب المنقسمون بشدة بين معسكر حزب الله الموالي لإيران والفريق المناهض له إلى انتخاب رئيس جديد رغم انعقاد عشر جلسات مخصصة لهذا الغرض حتى الآن.

وتدير البلد الذي يعاني انهيارا اقتصاديا حادا حكومة مستقيلة محدودة الصلاحيات برئاسة نجيب ميقاتي، تتولى تصريف الأعمال.

وأكد ماكرون ضرورة "مساعدة" رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي "يحاول رغم كل شيء أن يبذل أقصى ما يمكنه"، في جرعة دعم من شأنها أن تعمق الانقسامات الداخلية، حيث يوجه حزب التيار الوطني الحر (المسيحي) برئاسة جبران باسيل الوزير السابق وصهر عون، انتقادات باستمرار لميقاتي ويصفه بأنه تحول إلى خادم لأجندة حزب الله.

وردا على سؤال عن قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون الذي يُعتبر من أبرز الأسماء المطروحة للرئاسة كمرشح تسوية ولكنه غير مرشّح رسميا لها، رفض ماكرون الخوض "في مسألة الأشخاص والأسماء"، مشددا على أن "المسألة لن تستوي إذا لم تكن وراء الأسماء إستراتيجية وخطة".

وأضاف الرئيس الفرنسي الذي عبر عن أسفه لهجرة الشباب الكثيفة "ما يهمني هم اللبنانيات واللبنانيون، لا أولئك الذين يعيشون على حسابهم"، مؤكدا أنه يرغب في "المساعدة على نشوء حل سياسي بديل من دون أي تساهل مع القوى السياسية"، داعيا إلى "عدم التنازل عن أي شيء للذين أثرَوا في السنوات الأخيرة ويريدون البقاء ويمارسون الابتزاز".

وكشف ماكرون الذي عاد من عمّان حيث شارك في مؤتمر "بغداد 2" الإقليمي في شأن العراق أنه سيعمل "في الأسابيع المقبلة على إطار مشابه مع لبنان"، مشددا على أنه "مقتنع" بأن "المسألتين اللبنانية والسورية وغيرهما لا يمكن أن تحلّ إلا بإيجاد إطار للمناقشة يشمل إيران نظرا إلى تأثيرها الإقليمي". وقال إنه سيتخذ "مبادرات في الأسابيع المقبلة بشأن الأزمة السياسية القائمة في لبنان".

وتابع "سنعمل على مشاريع ملموسة فقد تطرقت مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، إلى مشروع في قطاع الكهرباء للبنان"، دون مزيد من التفاصيل.

وعن تنظيم حزب الله، قال الرئيس الفرنسي إن الحزب "موجود، إن كان على الصعيد الأمني أو المستتر، ولكن أيضا على الصعيد الرسمي والمنتخب فهم على الأرض يستفيدون من عدم قدرة النظام والآلية السياسية ومن جميعنا على حل مشكلات الناس".

ومنذ يونيو/حزيران الماضي حالت الخلافات السياسية في لبنان دون تشكيل حكومة جديدة برئاسة ميقاتي بعدما كلفه البرلمان مجددا بالمهمة عقب استقالة حكومته إبان انتخابات برلمانية في مايو/أيار الماضي.

ويبحث لبنان عن حلول للخروج من نفق أزماته المالية والاقتصادية والنقدية، منها طرق باب صندوق النقد الدولي للحصول على قرض مالي وإمكانية تعويم العملة المحلية.

وفي أواخر يناير/كانون الثاني 2022، بدأت الحكومة اللبنانية رسميا، مفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج للتعافي الاقتصادي في البلاد ولا تزال المفاوضات مستمرة إلا أنها لم تصل إلى نتيجة في ظل الجمود السياسي وغياب سلطة تنفذ إصلاحات مطلوبة تشترطها الجهات المانحة للإفراج عن مليارات الدولارات لإنقاذ لبنان من الانهيار الشامل.