ما وراء إعادة العلاقات بين السعودية وإيران

قوة سعودية صاعدة في مواجهة قوة إيرانية متآكلة.

بعيدا عن التطبيل والتزمير عن إعادة العلاقات بين السعودية وإيران بأنه اختراق كبير، وبعيدا عن التحليلات التي تصب معظمها عن تآكل النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وبعيدا عن ما يروج له ما يسمى بـ"محور المقاومة" او الذين يتمسكون بتلابيبه من الرعيل الأول والأخير من القوميين العرب، الذين يحلمون ويتمنون بأن السعودية ستلتحق بمحورهم المتهاوي، وبعيدا عن التكهنات التي هي أقرب الى التحليق في عالم الخيال منه الى التمنيات التي تبين انها امية بالاقتصاد السياسي، عندما تستنتج بأنها أي الاتفاقية المذكورة ضربة لاتفاقيات ابراهام او الى عملية الصلح بين الدول العربية وإسرائيل، فإن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وايران، ليست إلا إيذانا بتصاعد منحنى الصراع على النفوذ السياسي في الشرق الأوسط، والذي يعني بالنهاية ان المنطقة تنتظرها عاصفة ترابية جديدة تخنق مصابين بالربو السياسي.

ان الحرب الروسية على أوكرانيا غيرت جميع المعادلات السياسية في العالم بما فيها منطقتنا، وتداعيات تلك الحرب، أعطت دفعة قوية للدول التي كانت تدور في فلك الأقطاب الرأسمالية العالمية، لتتنفس الصعداء والتمتع ولو قليلا باستقلاليتها السياسية، والبحث عن طريق تؤمن مصالحها، بعيدة عن التجاذبات السياسية والحروب التي تشعلها الأقطاب المتصارعة من أجل الحفاظ على نفوذها الاقتصادي والسياسي.

بالنسبة للسعودية، فإن الاتفاقية تفتح الطريق امامها كي تعزز من مكانتها السياسية والاقتصادية ودورها كقوة إقليمية صاعدة في المنطقة، وفي الوقت ذاته النأي بالنفس بتورطها بأية ضربة عسكرية او حرب تعد لها إسرائيل واميركا على ايران، اذ تكشف زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال الاسبوعين الماضيين الى مصر والأردن والعراق وإسرائيل، وزيارة رئيس اركانه الجنرال مارك ميلي الى معاينة قواته في سوريا في هذا الوقت، على أن هناك طبخة حربية تعد لها أميركا وإسرائيل على ايران، وتحت عنوان التهديدات النووية الإيرانية. وهذه الاحداث عجلت من إعلان إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران برعاية صينية، وقد تنتج وبالمحصلة النهائية الخروج من حرب اليمن، ولكنه ما زال اقرب الى التمنيات، فضلا على أنها ورقة ضغط على الولايات المتحدة كي تغير سياستها في المنطقة وخاصة تجاه حلفائها.

ولنكشف اللثام عن باقي اللوحة كي يكون واضحا بالنسبة للقارئ، فأن الزلزال الكبير الذي ضرب سوريا، عجل أيضا من إعادة سوريا الى الخندق العربي، وهو مسعى وفي نفس الاتجاه لانتزاع سوريا من أحضان الجمهورية الإسلامية، وهو محاولة خليجية بزعامة السعودية وإسرائيل ومنذ اكثر من اربع سنوات، والتي لم تؤتِ أوكل نتائجها الأولية الا بعد الساعات الأولى من تداعيات الزلزال. أي بعبارة أخرى ان دور السعودية في إعادة تأهيل النظام السوري وتعويمه، هو الزلزال السياسي الذي جاء بعد الزلزال الأرضي، ليكون متمما وملحقا بعملية إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران. أي ان السعودية، تحاول تطبيع علاقاتها مع جميع دول المنطقة كي تقود التحولات كقوة اقليمية في العالم الجديد، عالم متعدد الأقطاب.

وبخلاف ما ذهب إليه بعض بقايا الرعيل الأول من القوميين العروبيين بأن ما حصل بين السعودية وايران، سيعمل على وأد اتفاقيات ابراهام، فبالعكس تماما، فأن السعودية ماضية بعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل دون أي تردد وخوف، بعد أن كانت ايران تهدد بشكل غير مباشر اتفاقيات السلام بين الدول العربية وخاصة في منطقة الخليج مع إسرائيل. فإعادة العلاقات مع إيران ستسحب البساط من تحت اقدام ايتام القوميين العروبيين وما تبقى منهم من اطلال الناصرية والبعثية، من الذين لبسوا زي الإسلام السياسي وتخندقوا مع ملالي طهران وتحت عنوان محور المقاومة ومواجهة الامبريالية والصهيونية ورفع لواء تحرير فلسطين.

ان تصبح ايران نووية، فليس من مصلحة احد، لا من مصلحة الأقطاب الامبريالية العالمية التي تدير مجلس الامن، ولا من مصلحة الأقطاب الإقليمية مثل السعودية وتركيا وإسرائيل والامارات، وإعادة العلاقات الانفة الذكر، لن ترطب أجواء المنطقة سوى إعلاميا ودعائيا، وخاصة عند طرف السلطة الميليشياتية الحاكمة في العراق وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن الذين سينضمون العاب نارية بهذه المناسبة.

وقبول ايران أعادة العلاقات او المصالحة مع السعودية، يعتبر تنازلا سياسيا كبيرا ولو على الأقل في المدى المنظور، فهي محاولة لكسر العزلة السياسية عنها، ولأول مرة تقبل على مضض بعدم التدخل بشؤون الدول، والسكوت على أذرعها في المنطقة، بعد ان باتت تشعر بان نار غضب الجماهير الإيرانية تستعر لظاها، وتقترب لتلتهم اركان النظام السياسي ولو بشكل بطيء، على اثر التحولات الثورية التي تجتاح البلاد. وفي نفس الوقت أي النظام القروسطي في طهران-قم، يدرك بأن الفرصة مواتية بالنسبة لأميركا وإسرائيل بالانقضاض عليها، او على الأقل نزع مخالبها، بعد انشغال الروس في اوكرانيا، ولا يُستبعد ابدا بعملية مقايضة بين روسيا وأميركا. فروسيا في أوكرانيا مقابل أميركا في ايران، الم تقايض روسيا انفراد إسرائيل بسوريا وتحويلها الى ساحة حرب من طرف واحد، مقابل عدم تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا!

ما نريد ان نقوله بالنهاية، ان غبار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وايران سرعان ما ينفض، وان الأوهام التي ينثرها محور مليشيات الإسلام السياسي، بأنه سجل انتصارات جديدة، ليس الا محاولة لبث الروح المعنوية في صفوف مريديها، وطمس حقيقة ما يحدث، بأن الجمهورية الإسلامية في حال لا يحسد عليه، وعلى الجانب الاخر تحاول السعودية بتسويق نفسها بأنها حمامة سلام، بعد أن كانت تطعم كل الحروب الاهلية وتنشر الطائفية في المنطقة، وكان العراق احد مختبراتها.