مجزرة المعمداني هل من بعد سياسي؟

لا اسف على الغاء قمة عمان بعد المجزرة البشعة في مستشفى المعمداني.

يشير البعض أن مجزرة الحرب الصهيونية الأكبر خلال الحرب القائمة على قطاع غزة في مستشفى المعمداني ليست كباقي المجازر الأخرى التي ما زلنا نسمع عنها ونشاهدها تتكرر كل ساعة وكل يوم داخل قطاع غزة بفعل الهجمات الإسرائيلية من الطيران والمدفعية والبحرية ذات القدرات التدميرية الهائلة، حتى بتنا لا نستطيع إحصاء عددها، هي مجزرة ارتكبها العدو لتعطي بعداً سياسياً حيث جاءت لتفشل القمة الرباعية في عمان واطرافها الرئيس الأميركي بايدن والمصري السيسي والأردني عبد الله الثاني والفلسطيني ابومازن، التي كانت تهدف بحسب هذا البعض لايجاد حل للحرب المحتدمة بين قطاع غزة ودولة الصهاينة المحتلين بما تحتويه هذه الحرب من مأسٍ أنسانية فلسطينية لا طاقة لسكان القطاع المحاصر الصامد تحملها، حيث ما تسعى إليه آلة الحرب الصهيونية الإجرامية من أهداف التهجير القسري الذي يحمل طابع التطهير العرقي لأكثر من اثنين مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني من قطاع غزة إلى سيناء وكان الاجتماع لو تم سيوقف هذه العملية.

فهل حقاً كان يمكن لهذا الاجتماع أو اللقاء أن بفعل أي شيء إيجابي لصالح سكان قطاع غزة المحاصرين والذين يتعرضون لحرب إبادة يومية يشاهدها العالم ويغمض عينيه انها، البعض المتوازن أخلاقيا يساوي بين الضحية والجلاد بين من هم تحت الاحتلال ومن يحتلون الأرض ويمارسون بحق الشعب الفلسطيني سياسات القمع والقتل والحصار الخانق والتطهير العرقي والتهجير القسري، دعونا نناقش الأمر من خلال من منطق السياسة لا التمنيات أو الأمل أو الرهان على موقف أميركي متوازن ذي بعد إنساني كما يتوهم هذا البعض الذي مازال يريد أن يخلط الأوراق ويمنح السياسة الأميركية والرسمية العربية أمكانية لتحقيق ما يتخيلون أنه ممكن.

إن المأزق الذي نعيش بدأ عندما طرحت الرسمية العربية في ثمانينات القرن الماضي شعاراً يائساً تقول فيه عليكم "أنقاذ ما يمكن إنقاذه" وتحت هذا الشعار تمت صياغة ما اطلق عليه المبادرات العربية المتتالية من مبادرة الملك فهد الى مبادرة قمة فاس إلى مبادرة السلام العربية في بيروت وما بينها من مبادرات ومؤتمرات كمدريد وواي ريفر وكامب ديفيد وعلى رأسها أوسلو التي حملت في طياتها تنازلا عن 78‎%‎ من أرض فلسطين دون الحصول على أي مقابل سوى تحويل مناضلي منظمة التحرير الفلسطينية إلى حراس للمستوطنين الغاصبين ومستوطناتهم في الضفة الغربية المحتلة ولمجتمعهم في الأراضي المحتلة عام 1948 وتسويق وهم أن هذا الفعل وهذا التنازل هو في مصلحة الشعب الفلسطيني وأن هذا الممكن الوحيد وغير ذلك هو ازهاق للارواح حتى وصل الأمر لتحريم الكفاح المسلح لأنه انتحار.

ثلاثون سنة من بيع الوهم ولم يتعب أو يخجل أولئك النفر من العرب الذين مازالوا يرددون ان الحل هو دولتان ولا حل آخر، وهم يعلمون أنه وفقاً لقادة العدو ومجرم الحرب طوني بلير ممثل اللجنة الرباعية الدولية في الشرق الأوسط ومبعوث الأمين العام الحالي للأمم المتحدة أن هذا الحل لم يعد ممكنا بفعل الاستيطان الذي ابتلع أراضي الضفة الغربية ووطن فيها ما يقارب 800 الف مستوطن.

هل زيارة الرئيس بايدن هدفها إطفاء الحريق؟ هل هدفه إيقاف المجازر؟ هل هدفه الدفع بعجلة التهدئة وإحلال السلام؟

كان الرئيس بايدن وأركان ادارته قد أعلنوا أن لدولة الصهاينة الحق في الدفاع عن نفسها بل أن وزير الخارجية الأميركي بلينكن جاب المنطقة العربية للموافقة على جريمة التطهير العرقي التي تنوي فعلها دولة الصهاينة لطرد الفلسطينيين من وطنهم الى سيناء، وشارك في مجلس الحرب الصهيوني الذي ضاعف التدمير والقتل منذ ذلك الاجتماع وكانت احدى نتائجه مجزرة المعمداني، بمعنى أن من يريدون الجلوس إليه هو من يتبنى السياسة الصهيونية وينفذها بإرسال حاملات طائرته وقنابله الذكية ذات القدرات التدمير الهائلة لأحياء قطاع غزة، بل وجاءت الولايات المتحدة لتهدد وتتوعد كل من يحاول مساعدة الشعب الفلسطيني المظلوم، وارسلت قائد القيادة الوسطى ليتفقد ارض المعركة وارسلت الفين من جنودها للمشاركة الفعلية في الحرب بالإضافة لثلاثين الف أخرين سيكونون جاهزين للتدخل في المعركة مع غزة في أي وقت تطلبه قيادتهم.

إذًا ما الذي كان منتظراً أن يحققه زعماء العرب الثلاثة من لقائهم بايدن، هل كانوا سيرجونه أو يتوسلون اليه ان يخفف الصهاينة القصف ويجعلونه أقل تدميرا أو اقل قتلاً؟ أو ربما تحميل المدمرات الجوية اغصان زيتون وورود لإلقائها على الاحياء المدنية الفلسطينية كعلامة للسلام؟ أو ربما يتوسلون إليه لادخال الماء والدواء والطعام بينما تواصل القوات الاميركوصهيونية عملياتها العسكرية؟ أو ربما سيأخذ الزعماء العرب وعداً أميركيا بصناعة السلام بعد القضاء على حماس وحكمها ومقاتليها في قطاع غزة؟

أي سياسي ليس مخضرماً، بل حتى مراهقاً يعلم علم اليقين أن الحل ليس في هذا اللقاء الذي كان مزمعاً عقده بل في خطوات عملية تستطيع القيادات الثلاثة تنفيذها بقرارات سيادية تتمثل بطرد سفراء دولة الاحتلال والتلويح بإلغاء الاعتراف بدولة بإسرائيل، خطوات بسيطة كهذه كانت قادرة على وقف العدوان لانها تنذر بتهديد المصالح الاميركية وتنسف مخططات أميركا في المنطقة التي عملت عليها منذ سبعينيات القرن الماضي لإذلال المنطقة وتطويعها لصالح مستعمرتها في فلسطين.

لا يفهم الأميركي والصهيوني أساليب التوسل والبكاء والرجاء هناك طريق واحد يفهمه هؤلاء وهو المقاومة والتهديد بتدفيعهم ثمنا باهضاً اقتصاديا وسياسيا، أما غير ذلك فهو وهم وسراب ككل الوهم والسراب الذي عشناه عقودا.

وعليه لا رجاء ولا دواء ولا علاج كان سيتأتى من هذه القمة، بل كانت ستتحول القمة بالضغط الأميركي إلى بيان يدين المقاومة ويمنح دولة الصهاينة غطاء عربيا للقتل والاجرام والهروب من العقاب.

تصريح الرئيس السيسي كاشف اذا اردتم حماية الفلسطينيين المدنيين من القتل لماذا لا تهجروهم إلى صحراء النقب أي داخل فلسطين التاريخية، هذا التصريح يقول بصراحة أن الهدف الأميركي كان وسيبقى اقناع مصر والأردن القبول بتهجير الفلسطينيين اليهما أي القضاء على القضية الفلسطينية ومنح كل ارض فلسطين للصهاينة أي تحقيق مالم يستطيعوا تحقيقه خلال 75 عاما في أيام قليلة.

لا اسف على الغاء اللقاء بل أن المجزرة البشعة في مستشفى المعمداني جاءت من خلال خطا تكتيكي عسكري صهيوني ربما دون حساب ردات الفعل العربية التي لطالما لم تلقي الدولة الصهيونية لها بالاً بعد أن ضمنت رضا الحكام وتبعيتهم لها، خاصة بعد إن ضمنت المساندة والدعم الغربي، جاءت اخبار المحررة لتخفظ ماء وجه من أرادوا المشاركة فيه من زعماء العرب وتبقيهم في الحد الأدنى قريبين من قلوب وضمائر ومشاعر شعوبهم التي تحررت من الهوان والذل الذي كانوا يشعروا به بعد عملية طوفان الأقصى التي اعادت للإنسان العربي والمسلم كرامته وكبرياءه ومنحته أملا، بان الانتصار على العدو ممكن فقط بالكفاح المسلح والاستعداد للتضحية والايمان بحتمية الانتصار.