محكمة العدل الدولية تطالب بوقف التعذيب في السجون السورية

كندا وهولندا طلبتا من المحكمة الدولية اتخاذ "تدابير موقتة" لوقف كل أشكال التعذيب والاعتقال التعسّفي في سوريا وفتح السجون أمام مفتّشين من الخارج وتبادل المعلومات مع العائلات بشأن مصير أقاربهم.

لاهاي - طالبت محكمة العدل الدولية الخميس سوريا بوضع حدّ للتعذيب والمعاملة القاسية والمُهينة، في أول قضية أمام العدالة الدولية بشأن انتهاكات النظام خلال الحرب الأهلية التي بدأت عام 2011، بعد توثيق العديد من المنظمات المحلية والدولية وشهادات ناجين لعمليات التعذيب الممنهج في السجون السورية.

وقالت محكمة العدل إنّ سوريا يجب أن "تتّخذ كلّ التدابير التي في وسعها، لمنع أعمال التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو القصاص القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".

وأضافت أن سوريا، حيث قُتل عشرات الآلاف خلال الحرب الأهليّة وفق محقّقين، يجب أن "تتخذ إجراءات فعّالة لمنع إتلاف الأدلّة وضمان الحفاظ على جميع الأدلّة" المتعلقة بأعمال التعذيب وغيرها من ضروب "المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".

ووثقت المنظمات المحلية والدولية في العديد من التقارير التعذيب الممنهج في السجون السورية، وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن أكثر من 15 ألف شخص قتلوا تحت التعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز في سوريا منذ مارس/آذار 2011، بينهم أطفال ونساء.

وأضافت في تقرير أصدرته في أكتوبر الماضي أن من بين القتلى 190 طفلا و94 سيدة، قضوا تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز منذ مارس/آذار 2011، وأن نحو 136 ألفا ما بين معتقل ومخفي قسريا ما زالوا يتعرضون للتعذيب في سوريا.

وأوضح التقرير أن عمليات التعذيب التي تعرض لها الضحايا جرت في مراكز الاعتقال التابعة لقوات النظام السوري، وسارت وفق سياسة مركزية وشاملة تورطت في ممارستها الغالبية العظمى من مراكز الاحتجاز، وشاركت في تنفيذها عناصر الأجهزة الأمنية من مختلف المستويات.

ويأتي محكمة العدل غداة إصدار محكمة فرنسية مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس بشار الأسد وشقيقه ماهر، القائد الفعلي للفرقة الرابعة في الجيش السوري، وعميدين آخرين، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية على خلفية هجمات كيميائية اتُهمت دمشق بشنها صيف 2013.

ودعا مُقدّما الشكوى، كندا وهولندا، المحكمة إلى إصدار أمر "عاجل" لوقف التعذيب في السجون السوريّة، انطلاقاً من أنّ "كل يوم له أهمّيته" بالنسبة إلى المعتقلين.

وقالت حكومتا كندا وهولندا في بيان مشترك "اليوم، أقرّت محكمة العدل الدولية بمدى خطورة الوضع والضرر الذي يتعذّر إصلاحه والناتج من الاستخدام المتكرّر للتعذيب وغيره من أنواع سوء المعاملة في سوريا ضدّ شعبها".

واستمع قضاة المحكمة الدولية في لاهاي خلال تشرين الأول/أكتوبر إلى شهادات معتقلين سوريين وصفوا فيها عمليات اغتصاب جماعي وتشويه وطريقة عقاب "موحّدة" تنطوي على وضع الأشخاص في إطار سيارة وضربهم بشكل "مبرح".

وكانت كندا وهولندا طلبتا من المحكمة اتخاذ "تدابير موقتة" لوقف كل أشكال التعذيب والاعتقال التعسّفي في سوريا، وفتح السجون أمام مفتّشين من الخارج، وتبادل المعلومات مع العائلات بشأن مصير أقاربهم.

وفقاً للشكوى المقدّمة من البلدين، فإن التعذيب في سوريا "منتشر ومتجذر.. ويستمر اليوم". ويتحمل الضحايا "آلاماً جسدية وعقلية لا يمكن تصوّرها، ويعانون جراء أعمال التعذيب، بما في ذلك المعاملة المقيتة في الاعتقال.. والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي". وأضافت الدولتان نقلاً عن تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن "عشرات الآلاف ماتوا، أو يُعتقد أنهم قضوا نتيجة التعذيب".

وتجاهلت دمشق الجلسة الأولى في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، بعدما كانت قد رفضت القضية، واصفةً الاتّهامات بأنها "تضليل وأكاذيب". وقالت إنّها "تفتقر إلى أدنى درجة من الصدقيّة".

وقال كبير ممثّلي هولندا رينيه لوفيبر للمحكمة حينها "نعتقد بصدق أنّ حياة السوريين وعَيشهم معرّضان للخطر ويتطلّبان اهتمام المحكمة الفوري".

وكانت بعض الدول قد أدانت أفراداً أو لاحقتهم قضائياً باسم الولاية القضائية العالمية، لارتكابهم جرائم حرب في سوريا، لكن لطالما كان هناك استياء في العواصم الغربية بسبب عدم وجود خطّة أوسع لتقديم هذه القضية أمام القضاء الدولي.

وأطلق الهولنديون أول محاولة في هذا الإطار في أيلول/سبتمبر 2020 لتحميل سوريا مسؤولية الانتهاكات المفترضة لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي وقّعت عليها دمشق. وانضمّت كندا إلى القضية في آذار/مارس التالي.

يذكر أن النظام السوري أصدر في صيف عام 2018 شهادات وفاة لآلاف المعتقلين المختفين في معتقلاته.

ولم تتمكّن محكمة العدل الدولية التي تتخذ لاهاي مقرّاً من التعامل مع سوريا، لأنّها لم تصادق على نظام روما الأساسي أي المعاهدة التأسيسية للمحكمة.
كانت روسيا والصين منعتا مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يقضي بإحالة الوضع في سوريا على المحكمة الجنائية الدولية عام 2014.

وأدّت عودة الأسد إلى الساحة الدولية في أيار/مايو، بحضوره قمة للجامعة العربية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد إلى إعادة القضية إلى الواجهة.