
محمد البريكي يستحضر 'عرار' في بيته الثقافي
خلال أمسية شعرية موسيقية مختلفة ووسط حضور لافت للشاعر العربي محمد البريكي ورافقه بالعزف الفنان عازف العود نزار العيسى أثناء قراءته الشعرية، أمسية امتزج وتجلّى الشعر مع الموسيقى نافذا إلى فيافي القلوب العطشى لتراتيل الروح المعانقة روح الشاعر عرار شاعر الأردن في "بيته الثقافي".
وجاءت الأمسية بتنظيم من مديرية ثقافة إربد في الأردن وبرعاية مديرها الشاعر والناقد الدكتور سلطان الزغول، وجمعية القيصر للآداب والفنون ممثلة برئيسها الأديب الأردني رائد العمري، وأثث مفردات الأمسية الشاعر والإعلامي عمر أبوالهيجاء.
الأمسية استهلها الدكتور الزغول بكلمة ترحيبية بالشاعر الضيف، مؤكدا على مكانة الشاعر محمد البريكي وحضوره اللافت في المشهد الشعري ومنجزه الشعري إدارته لبيت الشعر بالشارقة ومدير تحرير مجلة القوافي التي تعنى بالشعر وقضاياه، مثمنا التشاركية مع "القيصر للآداب" في تنظيم الفعالية.
ومن جهته، ألقى الأديب العمري كلمة تحدث فيها عن أهمية هذه الأمسية التي تقام في حضرة عرار، مستعرضا مكانته في الشعر العربي الحديث، ومؤكدا على دور الأردن في استضافة الرموز الشعرية على أرضه المباركة، مشيرا إلى جمعية القيصر التي امتازت بمهرجانها الشعري الدولي واستضافة شعراء أردنيين وعرب.
اعتلى الشاعر محمد البريكي صاحب "عكاز الريح" المنصة واسترسل بتقديم تراتيله الشعرية وسط تصفيق وتفاعل وإعجاب لمضامينه وقضاياه الإنسانية والوطنية، مستحضر الجرح الغزي وعذابات الإنسان الفلسطيني المشرد.
شاعر سافر بنا عبر محطات على أجنحة قصائده المسكونة بأوجاع الروح وتجلياته أيضا، وممسكا بخيط قصائده المشحون برؤاه وفلسفته في قول الشعر، محمد البريكي شاعر يستفز اللغة ويستفز الأغاني ويستفز المتلقي بتقنيته وفنيته في سبك الكلمات التي تحاكي ضمير الإنسان، وكما تجلّت روح الشاعر باستحضار المكان وأثره في نسفه، وكما عرار في واحدة من قصائده، فكان شاعرا سادن الأساطير وظلها.

وتنوعت قراءة الشاعر البريكي ما بين الشعر العمودي والتفعيلي والنبطي، فقرأ: "صلاة في في بيت عرار، في الطريق إلى عرفة، مكر شيطان ووعي نبي، وسادن الأساطير" وغيرها من القصائد التي اعتمل الفكر والثقافة العالية التي انعكست على متون القصائد.
ومن قصيدة له أسماها "صلاة في بيت عرار" نقتطف منها حيث يقول فيها:
"آخَيْتُ فيكَ عُروبتي ودَواتي/فاقْبَلْ وُصولي كَيْ أُتِمَّ صَلاتي/ما أَتْعَبَ السَّفَرُ الطّويلُ رَواحلي/تَعِبَتْ رَواحِلُنا مِنَ العَثَراتِ/يا سَيِّدَ البَيْتِ الّذي ما جِئْتُهُ/إلّا لأجْمَعَ في فَضاهُ شَتاتي/سَنَواتُ عُمْري كالحِسانِ أَخونُها/ولِأجْلِهِنَّ تَخونُني سَنَواتي/لَكنّني بِعُروبَتي مُتَمَسِّكٌ/عيَّنْتُها وَطَناً على أبْياتي/وبَنَيْتُ لي طَللاً تَنَزّلَ مِنْ "قِفا"/وجَعَلْتُها بِمَحَبَّتي عَرَفاتي/يا "مُصْطَفى وَهْبي" سَتَعْلَمُ أنَّني/مُتَعلِّقٌ بالرَّمْلِ في فَلَواتي/لَمْ أتَّخِذْ سَكَناً يُناطِحُ غَيْمَةً/سَكَني قُلوبُ أحِبَّتي وصِفاتي/ها جِئْتُ "إربِدَ" واحْتَضَنْتُ فَضاءَها/ونَصَبْتُ في أرْجائها خَيْماتي/"إربِدْكَ" يا ابنَ الأكْرَمينَ كَريمَةٌ/كَرمَ المَشاعرِ في رُبا كَلِماتي/فَهُنا أكُفٌّ كالسَّحابِ إذا هَمى/أحَسَسْتُ أنَّ الماءَ نَحْويَ آتِ/وتَضاحَكَ الكَرَزُ المُقيمُ بأحْرُفي/واللَّوْزُ والزَّيتونُ في الطُّرُقاتِ/مِنْ سَهْلِ "حَوْرانَ" استمَدَّ حَياتَهُ/فَزَهَتْ بأرضِ الطيِّبينَ حَياتي/سَهْلٌ خَصيبٌ مِثْلُ سَهْلِ قُلوبِهِمْ/مَنْ لَوّنوا الأفْراحَ في السَّاحاتِ/فالأُرْدنيُّ إذا أَتَيْتُ ديارَهُ/أنْسى بِبَسْمةِ وَجْهِهِ كُرُباتي/"تَتَمَنْسَفُ" الدُّنيا على عَتَباتِهِ/وعلى ابْتسامتِهِ "الكِنافةُ" تاتي".
وواصل تهجدات روحه المشغولة بالشعر فقرأ قصيدة أخذنا عبرها إلى "الطريق إلى عرفه" نفس شعري صوفي، نستشف منها:
"كَمَنْ يجوعُ ولا يلقى سوى حَشَفَةْ
يلوذُ بالصَّخْرِ لكنْ لَمْ يَبِعْ شَرَفَهْ
مضى بِهِ الليلُ.. لا يدري بِهِ أحَدٌ
ودمْعُهُ رُغْمَ طولِ الليلِ ما عَرَفَهْ
وكانَ بينَ صباحٍ مُظْلِمٍ غَدُهُ
وبينَ ليلِ الرجا مُسْتَوْطِناً أسَفَهْ
يُقَدِّمُ الحِبْرَ للأوراقِ منْفَعَةً
لكي يَخُطَّ عليها فكرةَ الأنَفَةْ
وَهَيّأَ الجَوَّ والأفكارَ ثُمَّ بدا
يُكاشِفُ الوقْتَ لكِنْ غابَ ما كَشَفَهْ
وقالَ: رُبَّ ظلامٍ ينجلي بِضِيا
كَيْ يَتْرُكَ الجائعُ المهمومُ مُعْتَكَفَهْ".
الشاعر البريكي قناص للرؤى الشعرية، وحين يقرأ قصائده يجعل المتلقي يشنف الآذان إلى تراتيله الشعرية، لغة مكثفة وإيقاع روحي يمتزج مع إيقاع اللغة والحياة، قصيدته "مكر شيطان ووعي نبي" قصيدة فلسفية تحاكي ذهنية وتتأمل الذات الشاعرة المنصهرة مع الواقع، حيث نراه غويّا لكنه بقلب نبي، يقول في قصيدته "مكر شيطان ووعي نبي".
"في داخلي مكرُ شيطانٍ ووعيُ نبي
وفي العيونِ أرى مولايَ ثُمَّ أبي
وأدخلُ الحقلَ، لا أسطو على شَجَرٍ
إلا لأقطفَ من أغصانِهِ أدبي
مسافِرٌ بي جنوني حيثُ توصِلُني
هذي النجومُ التي تلهو، إلى شَغَبي
إلى دواليبِ ألعابي، إلى شجرٍ
أيقظتُ فيهِ جنونَ الرقصِ من تعبي
إلى فتاةٍ تربّي الوردَ في يَدِها
وتملأُ الكأسَ للأيامِ من عِنَبي
إلى حَمامٍ بصدرِ الناس ينسبُني
إلى الهديلِ، وأدري أنَّهُ نَسَبي
وقفتُ عندَ تخومِ الماءِ منتشِياً
حتى أُفَرِّغَ بحرَ الشعرِ بالقِرَبِ
أقامَني من منامي زائرٌ قَلِقٌ
وكانَ يكشفُ سِرَّ الروحِ بالحُجُبِ
وراودَ النخلَ حبّي للصعودِ فما
طاوعتُهُ قبلَ أن يلهو على سُحُبي
وقلتُ للأرضِ هذا الكونُ محتفلٌ
بما لديَّ من الألحانِ، فاقتربي
وقرّبي لي الحزانى، كي أهُزَّ لهم
جذعَ الشعورِ فيدنو نحوهُم رُطَبي
وكي أقدّمَ فنجاناً بدهشتِهِ
من الأحاسيسِ مغليّاً على حطبي
الليلُ ناطورُ أحزاني أُلاعبُهُ
نَرْدَ الحظوظِ وأُهدي صبرَهُ كُتُبي
وإنْ غَفَت أحرفي أيقظتُ سيِّدَةً
جاءت إلى مخدعي سهواً بقلبِ صَبي
تُحَوِّلُ الصمتَ موسيقا بِخَطْوَتِها
ولا تُغَنّي سوى للعاشقِ الطّرِبِ
تقولُ لي: أنتَ شيطانٌ، فقلتُ لها:
أنا غَوِيٌّ ولكنّي بقلبِ نبي".
واختتمت الأمسية بتكريم الشاعر محمد عبدالله البريكي بتقديم درع جمعية القيصر للآداب والفنون، قدمه مدير ثقافة إربد الدكتور الزغول والأديب رائد العمري، وسط حفاوة كبية من الحضور.