مسبار ناسا يُفرغ أكبر عينة من كويكب في الصحراء الأميركية

من المقرر نقل العينة إلى مركز جونسون للفضاء في هيوستن، وسيُحفظ جزء منها من دون المساس به، لكي تتولى الأجيال المقبلة دراسته بتقنيات غير متوافرة بعد.

يوتا (الولايات المتحدة) - ألقيت كبسولة تحوي أكبر عينة للتربة جُمعت على الإطلاق من كويكب، والأولى ضمن مهمة لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، من الفضاء عبر مركبة "أوسايرس-ريكس" الأحد، قبل ساعات قليلة من هبوطها المرتقب في صحراء ولاية يوتا الأميركية.

ويُتوقع أن يكون الهبوط النهائي عبر الغلاف الجوي للأرض محفوفا بالمخاطر، لكن وكالة الفضاء الأميركية تأمل أن يكون الوصول سلسا قرابة الساعة التاسعة صباحا بالتوقيت المحلي (15.00 ت غ)، في منطقة عسكرية تُستخدم عادةً لاختبار الصواريخ.

وسيسفر نجاح المهمة، وهي جهد مشترك بين ناسا وجامعة أريزونا، عن نقل ثالث عينة من كويكب، وهي العينة الأكبر على الإطلاق، للأرض لتحليلها وذلك بعد مهمتين مماثلتين لوكالة الفضاء اليابانية انتهيتا في 2010 و2020.

انطلق "أوسايرس-ريكس" عام 2016، وفي 2020 فاجأ بينو العلماء أثناء جمع العينة لبضع ثوانٍ، إذ انغرزت ذراع المسبار في سطح الكويكب، مما أظهر أن كثافته أقلّ بكثير مما كان يُعتقد.

وبعد انطلاقه قبل سبع سنوات، جمع مسبار "أوسايرس-ريكس" الحجارة والغبار من الكويكب بينو في عام 2020، ليباشر بعدها رحلة العودة.

وتضم العينة حوالي 250 غراما من المواد (بهامش خطأ يبلغ مئة غرام أكثر أو أقل)، بحسب تقديرات وكالة ناسا، ومن شأنها أن "تساعدنا على فهم أفضل لأنواع الكويكبات التي يمكن أن تهدد الأرض"، وتلقي الضوء على "البداية الأولى لتاريخ مجموعتنا الشمسية"، وفق ما أكد رئيس ناسا بيل نيلسون.

وقالت العالمة في ناسا إيمي سايمون لوكالة فرانس برس إن "عودة هذه العينة أمر تاريخي حقا"، مضيفة "ستكون هذه أكبر عينة نعيدها من الصخور القمرية" ضمن برنامج أبولو الذي انتهى في عام 1972.

ولكن قبل الوصول إلى الشحنة الثمينة، فإن المناورة التي يتعين القيام بها تنطوي على "خطورة"، بحسب سايمون.

وأطلق المسبار "أوسايرس-ريكس"، قبل حوالي أربع ساعات من الهبوط المتوقع، الكبسولة التي تحتوي على العينة على بعد أكثر من مئة ألف كيلومتر من الأرض (حوالي ثلث المسافة الفاصلة بين القمر والأرض).

وستعبر الكبسولة الغلاف الجوي في 13 دقيقة، وستدخل بسرعة تزيد عن 44 ألف كيلومتر في الساعة، مع درجة حرارة تصل إلى 2700 درجة مئوية.

وسيتم إبطاء السقوط الذي تراقبه أجهزة الاستشعار العسكرية، بواسطة مظلتين متتاليتين، ومن الضروري نشرهما بشكل صحيح لتجنب حصول "هبوط عنيف".

وتمتد المنطقة المستهدفة للهبوط بطول 58 كيلومترا وعرض 14. وقد وُضع المسبار على الطريق للانطلاق نحو كويكب آخر.

وسيتولى فريق مجهز بالقفازات والأقنعة بمجرد هبوط الكبسولة على الأرض، فحص حالتها قبل وضعها في شبكة، ثم رفعها بطوافة ونقلها إلى "غرفة نظيفة" موقتة.

وينبغي تعريض الكبسولة إلى رمال الصحراء الأميركية لأقصر فترة ممكنة، وذلك لتجنب أي تلوث للعينة يمكن أن يشوه التحليلات اللاحقة.

ومن المقرر نقل العينة الاثنين إلى مركز جونسون للفضاء في هيوستن بولاية تكساس، حيث سيُفتح الصندوق، في غرفة أخرى محكمة الإغلاق، في عملية ستستغرق أياما.

وسيُحفظ جزء من العينة من دون المساس به، لكي تتولى الأجيال المقبلة دراسته بتقنيات غير متوافرة بعد.

وتخطط ناسا لعقد مؤتمر صحافي في 11 أكتوبر/تشرين الأول للكشف عن النتائج الأولية.

وسيصار إلى الاحتفاظ بأغلبية العينة للدراسة على يد أجيال مستقبلية. وسيُستخدم حوالي 25 في المئة منها على الفور لإجراء تجارب، كما سيُشارَك جزء صغير مع اليابان وكندا، وهما شريكتان في المشروع.

وقدمت اليابان نفسها لوكالة ناسا بعض الحبوب من الكويكب ريوغو، والتي أحضرت 5.4 غرامات منها في عام 2020، خلال مهمة المركبة هايابوسا-2. وفي عام 2010، جمعت اليابان كمية مجهرية من كويكب آخر.

وقالت إيمي سايمون إن عينة بينو هذه المرة "أكبر بكثير، لذا سنكون قادرين على إجراء المزيد من التحليلات".

ويتشابه الكويكبان بينو ريوغو شكلاً، لكن قد يتبين أن بينو مختلف تماما في تركيبته، بحسب المسؤولة عن البرنامج ميليسا موريس.

وتحظى الكويكبات بالاهتمام لأنها تتكون من المواد الأصلية للنظام الشمسي منذ 4.5 مليارات سنة، وبينما لحق تغيّر بهذه المواد على الأرض، بقيت الكويكبات سليمة.

وقال كبير علماء المهمة في جامعة أريزونا دانتي لوريتا إن بينو غني بالكربون، والعينة التي أُحضرت "قد تمثل بذور الحياة التي حملتها هذه الكويكبات في بداية كوكبنا، والتي أدت إلى هذا المحيط الحيوي المذهل".

أوسايرس-ريكس
تساعد على فهم أفضل لأنواع الكويكبات المهددة للأرض

ويدور بينو الذي يتشكل من مجموعة مفككة من الصخور ويبلغ قطره 500 متر حول الشمس ويقترب من الأرض كل ست سنوات، وهو كويكب صغير مقارنة مع كويكب تشيكسولوب الذي ضرب الأرض قبل نحو 66 مليون عام وقضى على الديناصورات.

وثمة خطر ضئيل (نسبته واحد من 2700) بأن يصطدم بالأرض سنة 2182، وهو ما قد يُحدث تأثيرا كارثيا. وقد يكون توفير المزيد من المعطيات عن تكوينه مفيدا. وفي العام الماضي، تمكنت "ناسا" من حَرف كويكب عن مساره من خلال اصطدام مركبة به.

ونبّهت ساندرا فرويند من شركة "لوكهيد مارتن" الشريكة إلى أن "مهمات إعادة عيّنات (فضائية) صعبة، إذ قد تطرأ مشاكل كثيرة" خلالها.

واتُخِذَت تدابير تحسبا لإمكان حصول "هبوط صعب"، كما مثلاً إذا لم تفتح مظلة الهبوط.

وأجريت تجربة في نهاية أغسطس/آب أُسقِطَت خلالها كبسولة طبق الأصل من مروحية.

وانطلقت المركبة الفضائية في رحلة للعودة إلى الأرض مسافتها 1.2 مليار ميل في مايو/أيار 2021 شملت الدوران حول الشمس مرتين.

ويتمنى العلماء سلامة وصول الكبسولة والعلبة الداخلية التي تحوي مادة الكويكب خلال إعادة الدخول للأرض والهبوط للحفاظ على نقاء العينة وعدم تلوثها.