مصريات يتحدين الأعراف برفض الإنجاب

الدعوات إلى عدم إنجاب الأطفال بدأت تزيد في مصر، فرغم العقبات الاجتماعية والطبية ظهرت صفحات ومجموعات على المواقع الاجتماعية تروج للفكرة.

القاهرة - كانت مريم تستعد لعقد قرانها وحجزت موعدا مع طبيبة لأمراض النساء والتوليد في العاصمة المصرية القاهرة بعدما قررت هي وخطيبها آنذاك عدم الإنجاب والسعي للتعرف على وسائل منع الحمل المتاحة لهما.

تقول مريم "الطبيبة رفضت أن تخبرني ماذا استخدم بالضبط"، موضحة أن  السبب الرئيسي لارتباطها رسميا بزوجها هو "البحث عن الشراكة" وأنهما يعتقدان أن "إنجاب الأطفال ليس أمرا ضروريا".

بدأت الدعوات إلى عدم إنجاب أطفال تزيد في مصر مؤخرا وظهرت صفحات ومجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي موجهة للناطقين باللغة العربية تضم آلاف المشاركين.

وتروج بعض هذه الصفحات لفكرة "اللاإنجابية" كطريقة حياة، وتدعو لعدم إنجاب الأطفال لأسباب منها ظروف المعيشة الصعبة والمشاكل الاجتماعية والأمراض والضغوط المختلفة التي قد يتعرض لها الأطفال في مصر.

بلغ عدد المواليد في مصر، الدولة الأكثر سكانا في العالم العربي، 2.18 مليون في عام 2021، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وكانت نتائج المسح الصحي للأسرة المصرية لعام 2021 الذي أجراه الجهاز قد أظهرت انخفاض معدلات الإنجاب الكلي للمتزوجات في الفئة العمرية بين 15 عاما و45 عاما بنسبة 19.6 في المئة عن عام 2014.

وطلبت النساء اللاتي تحدثن مع رويترز في هذا التقرير عدم ذكر أسمائهن لأسباب اجتماعية.

وتحدثن عن أنهن يواجهن ضغوطا من أسرهن وأصدقائهن وزملائهن في العمل الذين كانوا يتساءلون عن سبب هذا القرار، كما واجهن تشكيكا في قرارهن من مقدمي الرعاية الصحية.

وعلى الرغم من تلك التحديات، أظهرت نتائج المسح الصحي للأسرة ارتفاع نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة إلى 66.4 في المئة في عام 2021 مقابل 58.5 في المئة في 2014.

بعد زواجها، لجأت مريم لخمسة متخصصين مختلفين في أمراض النساء والتوليد حتى تتمكن من تركيب لولب، وهو وسيلة لمنع الحمل طويلة الأجل مصنوعة من البلاستيك أو النحاس، لكن في كل مرة قوبل طلبها بالرفض، وقيل لها إن استخدام اللولب يُفضل فقط مع النساء اللائي سبق لهن الإنجاب.

وتقول أميرة عثمان وهي أستاذ مساعد في أمراض النساء والتوليد بجامعة القاهرة إن حرمان النساء اللواتي لم ينجبن من تركيب اللولب هو "مفهوم خاطئ".

وأوضحت أنه باستثناء وجود حالة مرضية محددة، يمكن لأي امرأة استخدام هذه الوسيلة لمنع الحمل.

وفي مصر يتحدى الأزواج الذين يقررون عدم إنجاب الأطفال الأعراف الاجتماعية.

وذكرت بعض النساء أن بعض صديقاتهن أخفين حملهن عنهن "خوفا من الحسد" لاعتقادهن أنهن يعانين من مشاكل مرضية تحول دون القدرة على الإنجاب.

ووصفت هالة منصور أستاذة علم الاجتماع قرار عدم الإنجاب بأنه "نظرة محدودة" في وقت محدد من علاقة الزوجين، لكنها تؤمن بأن "الاستمرارية الأسرية حق المجتمع" على كل أفراده.

أسرة
قرار لا يتماشى مع طبيعة الأسرة المتعارف عليها

وفسرت إخفاء بعض النساء حملهن عمن قررن عدم الإنجاب بأنه رد فعل متوقع، قائلة "طالما أنني ارتضيت لنفسي أن أكون في وضع غير مستساغ أو غير متعارف عليه اجتماعيا، فلا بد لي أن أتوقع ردود أفعال بنفس الطريقة".

وأضافت أن قرار عدم الإنجاب مطلقا "لا يتماشى مع طبيعة الأسرة ووظائفها الاجتماعية والنفسية المتعارف عليه وفقا للعادات والتقاليد"، أما إذا كان قرارا "مرحليا" من أجل "تحسين الأوضاع" يصبح مقبولا اجتماعيا.

وكشفت بعض النساء أنهن أخفين قرار عدم الإنجاب عن الأهل لتفادي الضغوط الاجتماعية.

وتقول ندى وهي متزوجة منذ ثمانية أعوام إنه في بداية الزواج كانت تقدم إجابات "مبهمة" مثل "إن شاء الله، لما ربنا يسهل"، وبعد مرور خمسة أعوام قررت الإفصاح عن قرارها لأهلها، لكنها فوجئت أن والدتها تعمل على "ابتزازها عاطفيا" وتلح عليها من أجل أن تنعم بالأحفاد.

كما حكت بعض النساء عن تجاربهن المحبطة عند طلب المشورة الطبية لمنع الحمل.

تقول يمنى التي تزوجت قبل سبع سنوات وهي مصممة أيضا على عدم الإنجاب "واجهنا الكثير من الناس الذين حكموا علينا بشكل متسرع"، مضيفة أنه عندما كشفت عن قرارها لطبيبتها لتنصحها بأفضل وسيلة لمنع الحمل قالت لها "أنت مجنونة زوجك سيتزوج عليك في أي لحظة حتى ينجب أطفال".

وأشارت ماجدة سليمان مديرة برنامج الحقوق والصحة الإنجابية بمركز قضايا المرأة المصرية إلى أن مقدمي الخدمة الطبية في مصر يتأثرون بالثقافة العامة والعادات والتقاليد.

وتابعت "الطبيب غير قادر على الفصل بين قناعاته الشخصية والبيئة التي تربى وعاش فيها وبين مهنته الطبية التي تحتم عليه أن يكون قادرا على إيصال المعلومة بشكل محايد".

وأكدت هانية الشلقامي أستاذ باحث بمركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأميركية بالقاهرة على تأثر بعض الأطباء بالقيم المجتمعية المتعارف عليها، قائلة "اللقاء الطبي خاضع لسلطة الطبيب".

وأضافت "الطبيب لا يرى أنه يقدم خدمة، وإنما هو المتحكم، لكنه يخلط بين القيم والعلم، مطالبة بأن أسمع كلام الطبيب بما أنني لا أفهم في الطب، لكنني غير مطالبة بسماع كلامه في خياراتي الحياتية، هذا الخلط شائع للغاية".

وتتعدد الأسباب وراء قرار عدم الإنجاب، بالنسبة إلى يمنى وزوجها تعتبر صدمات الطفولة أحد الأسباب الرئيسية.

تقول يمنى عن زوجها "علاقته سيئة للغاية مع والده، لذلك فهو يرى أن من الممكن أن لا يكون أبا جيدا".

بينما بالنسبة لآخرين مثل هبة التي تزوجت منذ ثلاث سنوات كانت المخاوف من القدرة على تحمل تكاليف تربية الأطفال "عاملا كبيرا".

وأضافت هبة أيضا أنها وزوجها اعتادا أن يعيشا حياة هادئة ويساورهما القلق من "الضغط الكبير الذي يضعه الأطفال على الآباء"، قائلة "أنا وزوجي نستمتع بوقتنا الخاص معا، ونشعر أننا سنفقد هذه المتعة في حالة وجود أطفال".