معاوية أم الهروب من التاريخ

لا أفق في الخروج من اسر التاريخ إلا بعدم انكاره والتصالح معه.

بداية وقبل كل شيء، لست من المأخوذين بمعاوية أبن أبي سفيان ولا بالعهد الاموي، بل كتبت الكثير ضدهما وبشكل خاص ضد معاوية، ولكن، طرأ ويطرأ سؤال يجعلني في مواجهة مع الحقيقة والمنطق، السؤال هو؛ هل بالإمكان من خلال مواقف الرفض والكراهية محو الفترة التاريخية التي برز فيها معاوية وتجاهلها أو حتى رفضها؟!

"معظم التاريخ ظن وبقيته من إملاء الهوى"، قول للفيلسوف ويل ديورانت أثبت الايام بأنه كلام منطقي ويمكن سحبه تحديدا وبشكل خاص وبكل ثقة على الفترة التاريخية التي تمخضت عن بروز الصراع السني ـ الشيعي، خصوصا وإن كلاهما قد حشد كل ما باستطاعتهما من أجل أن يدحضا بعضهما البعض. ولو قمت بإيراد الامثلة الكثيرة المتباينة على ذلك ولاسيما ما جاء في كتاب "أصول الكافي" للكليني أو في "صحيح البخاري"، على سبيل المثال لا الحصر، فإننا نجد الكثير من الامثلة التي تبعث على السخرية من الجانبين بصدد إثبات أحقيتهما وتكذيب ورفض وإقصاء الآخر.

ما كتب وذكر عن عهد معاوية بن أبي سفيان من الطرفين المتخاصمين السنة والشيعة بخصوص معاوية، فيه الكثير من التناقض والتضارب، لكن كل ما كتب عنه ليس بإمكانه أن يلغي أو يمحو الفترة التي كان فيها معاوية أبن أبي سفيان، خليفة للمسلمين وما قام به سلبا وإيجابا، إذ أن معاوية شئنا أم أبينا، حقيقة وأمر واقع كان قائما وصار جزءا من التاريخ العربي الاسلامي.

هل بإمكان أحدهم أن يتناول الفترة التاريخية لتولي معاوية الخلافة في بداية قيام الدولة الاموية؟ هل بالإمكان طرح شخصية معاوية من منظور وزاوية لم يسبق طرحها وتناولها؟ هذا في الوقت الذي قام فيه متتبعو أديان أخرى من طرح المواضيع والشخصيات التاريخية المتضادة وتناولها في نشاطات أدبية ودرامية وسينمائية، فإن التصدي من أجل طرح شخصية معاوية في عمل درامي يبدو وكأنه صار بعبعا أو حتى أمرا غير عادي يثير الخوف والجزع لدى الاخرين؟

إثارة الموضوع تأتي على خلفية الجدل الذي أثاره عزم مجموعة MBC، على إنتاج مسلسل يتم عرضه في شهر رمضان المبارك بخصوص مؤسس الدولة الاموية، معاوية بن أبي سفيان، وردود الفعل غير العادية ضدها والتي وصلت ضمنيا الى حد التهديد بإنتاج فيلم سينمائي يمجد بشخص "أبو لؤلؤة الفيروز" قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. ولا أريد أن أكون مجاملا ومرائيا على حساب الحقيقة، ولذلك فقد أصابتني الدهشة لردود الفعل هذه ولاسيما وإنها غير طبيعية بالمرة ذلك إنه وبحكم إطلاعي على المذهب الشيعي ومعرفتي بأنه مذهب يتسم بقوة الحجة وبالمرونة والحيوية في محاورة الخصوم والاضداد، فإن هكذا ردود فعل يغلب عليها التوتر والانفعال لا تتناسب أبدا مع قوة الحجة للمذهب وإمكانيته غير العادية في المحاورة مع الخصوم والاضداد.

معاوية أبن أبي سفيان، وبغض النظر عن كل شيء، هو جزء من التاريخ العربي الاسلامي والسعي لتجاهله أو التغطية عليه لأي سبب أو عذر كان، إنما هو بمثابة هروب من التاريخ ومن الحقيقة والواقع، وكنت أنتظر موقفا شيعيا مختلفا الى حد بعيد عن هذا الموقف الذي يميل أكثر الى كونه إرهابا فكريا وليس محاججة فكرية ومنطقية وقطعا فإن هذا الموقف لا يمكن أبدا أن يعكس ويجسد الموقف الحقيقي والواقعي للشيعة.

وكلمة أخيرة أجد من المناسب البوح بها، وهي إنني لست أصب اللوم على الشيعة لوحدهم وأريد الإيحاء بأن السنة خارج دائرة اللوم، بل إن كلا الفريقين لهما حصتهما من اللوم، إذ أن كلاهما لا يزالان محاصرين في قوقعة وإطار تقليدي لم يعد يناسب هذا العصر ولابد من أن يتقدم كلاهما أكثر من خطوة بإتجاه الآخر والدوس على ما إختلقوه من أسباب فرقة وإختلاف لا أجدها تمت ليس للإسلام، بل وحتى للمذهبين السني والشيعي بصلة.

أجد من المفيد ذكر ما جاء في نظرية التحدي والاستجابة للفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي حيث قال: "أن تقدم الأمم لن يحدث سوى بتصفية تلك الأمم حساباتها مع تاريخها. بمعنى أن التضحيات واجبة للتخلص من إرث الهمجية، فإذا أراد المسلمون مثلا أن يتقدموا فواجب عليهم أن يتصالحوا مع العالم أولا، ولن يتصالحوا إلا بإنكار تاريخهم المسطور في كتب الفتوحات والغزوات والحروب الأهلية التي حدثت في صدر الإسلام. وكيف ينكرون ذلك في ظل مدافعين أقوياء جدا عن هذا الماضي الأليم؟"