مفردات صماء في دلوعة كريم العراقي وكاظم الساهر

هل يمكن لقصيدة ما أن تحتوي على جملة "ألقت عليه القبض"؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا أطلق التاريخ على من يعيد تركيب العلائق بين الكلمات شاعرا؟

ليس ثمة شاعر غنائي قدم تنازلات في القيمة الإبداعية مثل كريم العراقي، ربما يمنحه محبوه بعض العذر لأن ذاكرتهم لم تأفل بما كتبه في زمن تعبيري بامتياز، لكنهم يرفعون السؤال عاليا عندما يتعلق الأمر بمن أرخ لتاريخ من الأسى والحنين والحب في وجدانهم، فكريم كان ينبض بالشعر والعشق عندما ارتقى بالدمع والكحل معا، في أولى أغانيه بصوت الفنان سعدون جابر، ومن يعود إلى أغنية “خسرتك يا حبيبي” للراحل صلاح عبدالغفور يشعر أن الموسيقار جعفر الخفاف كان يمسك روح الكلمات والكمانات معا ليجعلها تذوب ولها في موسيقاه، بل عبرت موسيقاه إلى أقصى ضفاف الحنين في “تحياتي” بصوت حسين نعمة.

هل يتذكر كريم العراقي وهو يكتب اليوم نصوصا رديئة، أغنية الطفولة “يا شميسة”؟ أشك في ذلك! إذن كيف تسنى لمن يكتب رائعة “صافيها إلي بعد الجزر والمد” التي برع علي سرحان في لحنها لصوتي فاضل وفوزية، أن يكتب نصا سطحيا مثل “نزلت للبحر”!

محبو شعر الصديق “أبوضفاف” يتألمون عندما يفاجئهم بنص سطحي لا أهمية له ولا مسوغ غير أنانية ضيقة، كما حصل أخيرا في أغنية “دلوعتي” للفنان كاظم الساهر.

هذا النص سقطة غنائية مريعة في تاريخ كريم العراقي مثله مثل “نزلت للبحر”، إذ وفق التقويم المفرط بالتفاؤل فكريم العراقي شاعر شعبي، وعندما يلجأ إلى اللغة الفصحى فإن قاموسه الشعري يخذله، لذلك يستعيد الحس اليومي في لغته الشعبية بمفردات متداولة، كما حصل في هذه الأغنية التي فشلت في صناعة قصة تحمل المفاجأة كما كان يأمل شاعرها ومغنيها، إذ لا قصة غنائية عندما يتعلق الأمر بحادث يومي يمر عابرا على الملايين من المحبين، لأن التكرار ليس إبداعا، وقصيدة “دلوعتي” تكرار لما يحدث ويمر سريعا.

فلنتأمل المفردات التي استعان بها كريم العراقي في هذه الأغنية التي أربكت كاظم الساهر في تلحينها، مع أنها تبدو -ربما- أشبه بفكرة مشتركة بين الاثنين وقصيدة كتبت بناء على تفاهم مسبق.

فكلمات مثل “ألقت عليه القبض”، “عصبيتي”، “المزاج”، “نمرة”، “دلوعتي”، “طيوبتي”، “النسوان”، ميتة شعريا ولا يمكن أن يلجأ لها الشاعر إلا إذا قبل السقوط في فخ السطحية والمباشرة، ثم أي روح لكلمة “المزاج” كي يجد الملحن فيها ما يجعله يرقى بروح المفردة وليس آليتها، وهل يمكن لقصيدة ما أن تحتوي على جملة “ألقت عليه القبض”؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا أطلق التاريخ على من يعيد تركيب العلائق بين الكلمات شاعرا؟

ليست المرة الأولى التي يخذل فيها كريم العراقي محبيه، لكنها كانت هذه المرة سقطة شعرية مريعة، نأمل ألا نسيء الظن بدوافعها إن كانت أنانية شخصية ضيقة أو تجارية، لذلك نرفع العتب أمام وجهه الطفولي المحبوب الذي لم يغب عن ذاكرة العشاق.

لقد ورط العراقي كاظم الساهر، أو تورطا معا في “دلوعتي”! إذ عجز لحن الساهر في التعامل مع مفردات ثقيلة صماء وخالية من الإيحاء وسطحية في التعبير، فلم نجد لحنا يحلق بالأرواح عاليا كما فعل في “حافية القدمين” وزيديني عشقا” لأن في النهاية لا يمكن لموسيقى الملحن ولا لصوت المغني إخراج نص ركيك من سطحيته!