مكتبة شومان تحتضن مناقشة لـ'أمي وأعرفها'

صفاء الحطاب: أحمد طمليه قدم في روايته الموت كراحة أبدية من معاناة الوجود.

نظمت مبادرة نون للكتاب في مكتبة شومان مناقشة لرواية "أمي وأعرفها" للروائي والكاتب أحمد طمليه.

رحب مؤسس نون للكتاب الأديب أسيد الحوتري بالحضور بداية، مؤكدا أن الجلسة تأتي ضمن توجه المبادرة إلى متابعة ومناقشة الإصدارات الحديثة.

وإلى ذلك قدمت الناقدة صفاء الحطاب، وهي روائية وناشطة في العمل الثقافي، ورقة نقدية أكدت فيها أن الكاتب طمليه أبدع رواية متميزة إنسانيا وإبداعيا في تلمس أوجاع وهموم الحياة، والتقاط مشاهد حياتية قد تبدو عادية للآخرين، ثم تحويلها باقتدار إلى شكل من أشكال الفنون الأدبية القادرة على إطلاق صرخة، أو إيصال فكرة ما.

وذكرت الناقدة الحطاب بمحتوى الرواية الذي يروي من منظور الشخصية الرئيسية "فؤاد" وبتناوب مع الراوي العليم، مشاهد متلاحقة لخلق فضاء مكاني تتحرك فيه الشخصيات المختلفة.

وقالت إن هذا التتابع المشهدي خدم حبكة الرواية، ووضح أفكار الشخصيات وعواطفها وصراعاتها الداخلية بالإضافة لمظهرها الخارجي، حيث تبدأ الرواية بحلم الشخصية الرئيسية في الرواية واسمه "فؤاد" بفتاة جميلة يحبها، ويخشى أن يستيقظ من الحلم حتى لا يواجه الواقع الصعب والقاسي مع عائلته المكونة من الأم وشقيقه منصور وشقيقته غدير، في مكان متخيل يشبه مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في تركيبته السكانية وبنائه، ثم ينتقل إلى مشهد موت يوسف المبكر والمفاجئ وتركه أطفاله دون أمان، وبعد ذلك مشهد مرض أبوثابت ومعاناته مع المرض وعدم قدرته على التعبير عن ما يعاني منه بوضوح، ودخوله في دوامة المستشفيات وارتفاع تكاليف العلاج وعدم قدرته وقدرة ابنه وزوجته على تحملها، وهروبه من المستشفى ووفاته في ظروف لاإنسانية.

وتتبعت الحطاب القصص القصيرة المتتالية في الرواية عن شخصيات كثيرة تحركها الأحداث، كشخصية سعيد صديق فؤاد، والحاجة أمينة، وأم محمود التي كانت وكأنها تقوم بدور تمثيلي في الحياة يمكن توقعه من قبل المحيطين. وشخصيات أخرى متعددة تتحرك في محيط فؤاد، ثم تظهر بهية التي يحبها لكنه مع ذلك يهاجمها ويحاول الاعتداء عليها عندما سنحت له الفرصة مما يشعره بشعور سيئ للغاية، إذ يعاني فؤاد من أنانية شقيقه منصور ومن غرابة صديقه سعيد، ويلجأ في كثير من الأحيان إلى صديقه الحكيم منذر، الذي يصبح وزيرا فيما بعد. يعمل فؤاد في شركة ويتعرف إلى سارة الموظفة القادمة من الكويت بعد أزمة الخليج، ليكتشف أن الأزمة الوجودية التي يعاني منها هو وأهل منطقته عبر الأجيال المتلاحقة هي ذاتها في كل المنطقة لتشابه الظروف الخارجية المؤثرة.

وأكدت الحطاب بأن الرواية قامت على فكرة غياب المعايير النبيلة والقيم العليا بسبب الظلم العام الذي تعرض له هؤلاء الناس جيلا بعد جيل، والذي ولد تفرعات من ذلك الظلم، وكأن حال فؤاد وحال المنطقة متشابهان، فالاثنان في حالة ضياع، وقدمت صراع الروح مع المادة في ظل تلك المعايير الظالمة، مشيرة إلى عدة قضايا مهمة منها المرأة ودورها الملتبس في ظل ظروف عامة ظالمة، واضطرارها للدفاع عن نفسها وكأنها متهمة أو لعنة ما تحوم حولها دائما بسبب المجتمع المأزوم بالجسد كمظهر من مظاهر الانهزام الداخلي والكبت المتواصل، وعدم قدرة الأفراد على فهم مشاعرهم أو التعبير عنها.

كما أوضحت بأن الكاتب استخدم الواقعية السحرية بشكل ما، ونقلنا إلى مستوى من المجاز في مشهد عزاء الحاجة أمينة، وتعويض نقص اللبن من حليب الأمهات، وتقبيل الأرض قبل دفنها، وكأنه يريد أن يقول إنهم قد توحدوا في لحظة خلاص ما، وقدم الموت كنوع من الراحة الأبدية بعد معاناتهم الوجودية.

بدوره، أشاد أحمد طمليه بالجهد المقدم من الكاتبة، قائلا إن رؤيتها للرواية تنسجم مع الرواية نفسها، التي تقوم على طبقات متعددة، ومن الصعب قراءتها من وجهة نظر واحدة، واتفق معها على استخدامه للواقعية السحرية، أو المجاز، أو ما يسميه هو الأسلوب الغرائبي الذي يسمح له بكتابة ما قد يعد بلغة المنطق ليس مقبولا.

هذا وأدار رئيس الجلسة الحوتري الحوار مع الحضور، طارحا مفاتيح للحوار، من نوع مدى انسجام عنوان الرواية مع مضمونها، ثم الإشكاليات في الرواية، وعدم سوية بعض المواقف والتصرفات.

ورد طمليه على أسئلة واستفسارات الحضور، قائلا إن الرواية كتبت بأسلوب فيه غرائبية ما، وبالتالي إذا استهجن البعض وجود شاشات كبيرة في عمان اتاحت لبطل الرواية أن يتابع ردود الأفعال على غزو القوات العراقية للكويت مطلع التسعينيات، فماذا عن ما ورد في الرواية بخصوص وجود جثث في الطريق الصحراوي كانت توقف السيارات وتطلب منها أن تقلها إلى بيوتها، أنا لم أكتب عن أمي التي ولدتني، بل عن الأمومة التي ولدت هذا الكون. 

يذكر أن رواية "أمي وأعرفها" صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، في أبريل/نيسان 2023 وجاءت في 184 صفحة.