حميد اتباتو: أفكر في السينما كعلاقات اجتماعية مكثفة
الرباط ـ صدر حديثًا للناقد السينمائي الدكتور حميد اتباتو كتاب "دلالات السينما المغربية: التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع" في 267 صفحة من الحجم الكبير، عن دار النشر نيت أمبريسيون بورزازات.
وفي هذا السياق، كان لموقع "ميدل إيست أونلاين" حوار مع الأكاديمي حميد اتباتو حول محتوى هذا الكتاب وظروف تأليفه، وفيما يلي نص الحوار:
ما الذي جعلك تهتم بدراسة السينما المغربية في بحوثك؟
الكتابة عن السينما المغربية والبحث فيها هو انشغال تولد لدي من الاهتمام بالإبداع الفني المغربي، كما علمني الانشغال به أحد الأساتذة الذين درسوني الفرنسية لثلاث سنوات في الثانوي، وهو الأستاذ محمد الجاي الذي أكن له كل التقدير، وذلك بسبب اهتماماته الثقافية النوعية آنذاك والحالية أيضًا، وما كان يقدمه من عروض وإشارات في الدرس حول المسرح المغربي والعالمي، والإبداع المغاربي المكتوب بالفرنسية، والموسيقى الغربية والمغربية، وحول بعض المجلات والجرائد التي كانت تصدر بالمغرب وتنشر مقالات وأخبارًا حول الحقل الفني المغربي.
هكذا بدأت أتابع ما يرتبط بالسينما والمسرح بالقراءة أساسًا، وحين حصلت على الباكالوريا سنة 1985، بدأت أتابع ما يعرض بفاس من أفلام بقاعات المدينة. لكن، منذ السنة الأولى بالجامعة، حاولت الحصول على منحة لدراسة السينما بالاتحاد السوفياتي، ثم بدولة أخرى من أوروبا الشرقية، خاصة بعد أن تمكن بعض أصدقائي من الحصول على منح للدراسة بهذه البلدان في مجالات أخرى، خاصة الطب والصيدلة.
بلدتي لم تكن بها أية إمكانية لمشاهدة السينما والمسرح، وحين قدمت إلى فاس حاولت تعويض الحرمان الذي عشته، وتابعت ما كانت تقدمه قاعات فاس ومكناس من أفلام، ودربت نفسي على الالتزام بمتابعة ما يعنيني من كتابات وأفلام، وهكذا تداركت بعض ما فاتني. ولاحقًا ستبدأ علاقتي بعروض أندية سينمائية بفاس، لتصير فرجة الأندية لاحقًا، وعملها، وبرامجها من صميم ما أرتبط به سواء بفاس أو بالمدن التي عشت فيها.
كنت متحمسًا جدًا لدراسة السينما إلا أنني لم أحصل على المنحة بمجهوداتي الخاصة، وكان أن خففت من غبن وحرقة عدم دراسة السينما بقراءة ما يكتب عنها، ومشاهدة الأفلام، ثم بإنجاز بحث حول السينما المغربية سنة 1990، وكان في موضوع "السينما المغربية والبحث عن الهوية"، وكان أول بحث في المجال بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ظهر المهراز بفاس آنذاك، تحت إشراف أستاذي الراحل السي محمد الكغاط، وعملت على نشر مجموعة من مباحثه في بعض الصفحات السينمائية لبعض الجرائد الوطنية آنذاك، ليتوضح اختياري أكثر باعتباره اختيارًا للكتابة عن السينما والبحث فيها، وهو ما سأنضبط له إلى حدود الآن.
كان أيضًا لدروس أساتذتي في المسرح دور في تعميق ارتباطي بالمسرح والسينما، خاصة الراحل السي محمد الكغاط الذي درسني المسرح، وأشرف على بحثي لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في المسرح، وأستاذي الجليل المرحوم السي حسن المنيعي الذي درسني المسرح وأشرف على رسالتي لنيل دبلوم الدراسات العليا، وأطروحتي لنيل الدكتوراه حول المسرح.
بعد أن بدأت عالم البحث في الجامعة بموضوع السينما المغربية، غيرت بعد ذلك موضوعات أبحاثي نحو المسرح المغربي، خاصة بالنسبة لبحث دبلوم الدراسات المعمقة، ودبلوم الدراسات العليا، والدكتوراه، إلا أني أبقيت على انشغالي بالسينما فرجة وثقافة وانشغالًا بحثيًا من داخل ارتباطي بالأندية السينمائية، ولقاءاتها، وأنشطتها، وهنا تعمق ارتباطي بالفكر السينمائي أكثر، لتصير الكتابة عن السينما انشغالًا مركزيًا لي على مستوى النقد والبحث، خاصة بعد أن ارتبطت بالعمل الصحافي، وبحضور لقاءات وندوات حول السينما.
وقد قوى امتهاني للصحافة ارتباطي بالكتابة عن السينما، وذلك لإشرافي على ملاحق أو صفحات أو كتابة أعمدة، مقالات نقدية، أو إنتاجي وتقديمي لبرامج حول السينما والمسرح.
كيف بدأت فكرة كتاب "دلالات السينما المغربية"؟
أعتبر إصدار "دلالات السينما المغربية" غير معزول عما أصدرته منذ 1999، خاصة "السينما المغربية: أسئلة الإبداع والهوية"، و"السينما الوطنية بالمغرب: أسئلة التأسيس والوعي الفني"، و"رهانات السينما المغربية: الفاعلية الإبداعية وتأصيل المتخيل"، و"هوية السينما المغربية: فتنة اللامرئي وقلق المغلوبين"، وغير معزول عما لم يصدر من أعمال خاصة.
إضافة إلى هذا، فالكتاب هو امتداد لمجموع الكتب الجماعية التي أشرفت على تنسيقها بصيغة ندوات ومؤتمرات ثم بصيغة إصدارات في كل من فاس، وإيموزار، والرشيدية، وورزازات. لهذا يشكل الإصدار محاولة إضافية أخرى لإغناء ما اقترحته من أعمال تفكر في السينما المغربية باعتبارها علاقة ثقافية، بل علاقة تبدأ في المعرفي وتنتهي فيه. لهذا جعلت من رصد المواصفات الثقافية للسينما المغربية مدخلًا لقراءة المتن الفيلمي الذي انشغلت بدراسته في العمل.
ما العمل الذي استمتعت بكتابته أكثر حتى الآن في دراسة الأفلام؟
لو من شيء استمتعت به حقًا في انشغالي بالكتابة عن السينما والبحث فيها، فهو مجموع التراكم الذي تحقق من داخل العمل الجماعي، سواء بصيغة أبحاث ودراسات لمؤتمرات وندوات نظمتها ونسقتها وصدرت أعمالها لاحقًا، أو من خلال أبحاث لطلبة أشرفت عليها أو رافقت أصحابها، سواء بالمغرب أو خارجه، لأنها تحقق ما لم يكن بإمكاني تحقيقه.
لقد آمنت دومًا بما هو جماعي، وجعلت منه مصدرًا للمتعة والإفادة لي وللناس، خاصة الشباب والطلبة والباحثين الذين انتهى مجموعة منهم عالقين في عشق السينما ومرتبطين بها فكريًا وبحثيًا ونقديًا.
شكل العمل الجماعي اختيارًا من داخل أندية السينما التي أسستها مع أصدقاء أو تحملت مسؤوليتها بفاس (نادي الركاب)، وقلعة أمكونة (نادي أنفاس)، وتيغسالين (نادي أحمد البوعناني)، وخنيفرة (منتدى جذور)، وورزازات (منتدى الجنوب للسينما والثقافة، ونادي دي سيكا، وجمعية جسور)، وأكادير (نادي أركان)، والرشيدية (جمعية القبس)، ومن داخل مسؤوليتي بالمكتب الوطني لجواسم سابقًا.
حيث سمح لي هذا باقتراح ما يشغلني من أفكار ومشاريع، والسهر مع باقي الأصدقاء في مجموع هذه الإطارات على إنجاحها، وهذا النجاح تحقق فعلاً، وحقق معه متعة لا تضاهى لي، لأنه حقق ما اعتبرته دومًا حلمًا تعويضيًا لي، ومن عناصره استنبات الممارسة الثقافية، والاهتمام بالسينما بالجغرافيا المنسية (أمكونة-تيغسالين-الرشيدية-إيموزار...)، وتقريب الفرجة السينمائية والعمل الثقافي من المتعلمين والشباب، سواء كانوا تلاميذ أو طلبة.
خدمة لهذا، أسست بالموازاة مع أندية جواسم أندية مدرسية وجامعية بالثانويات التي اشتغلت بها، وبكلية ورزازات التي أعمل بها، لتكون فضاءً للتكوين والتأطير وتعلم عشق السينما والتفكير فيها.
إضافة إلى هذا، سمح لي هذا الاختيار بتوثيق مجهود فكري هام، وإسهامات نقدية وبحثية لافتة غالبًا ما كانت تقدم بصيغة مداخلات في لقاءات وندوات دون أن تصدر في مؤلفات، وعملت مع هذه المجموعة أو تلك على إخراجها، ويقارب عددها الثلاثين إصدارًا.
ينضاف إلى هذا طبعًا عملي مع طلبتي الذين قبلوا الاشتغال على موضوعات ذات علاقة بالسينما في أبحاثهم للماستر أو الدكتوراه، أو ناقشوها، أو ستناقش مستقبلاً بعد أن درستهم بمسالك ماستر أو إجازة في تخصصات السينما أو المسرح أو الإعلام بأكادير أو ورزازات أو الرشيدية.
هل هناك أمتع وأجمل من مثل هذا العمل مع جماعات من الفاعلين لاقتراح أفكار ومبادرات ولقاءات وإصدار أعمال تجمع عشاق السينما والمرتبطين بفكرها وإبداعها ليس من المغرب فقط بل من بلدان مختلفة، دون أن يكون ذلك باسم فرد محدد، بل باسم جماعات وجهات ومؤسسات؟
إنه شيء ممتع حقًا أن تجد نفسك فاعلًا بقدر ما، ومفيدًا حسب إمكانياتك مع جماعة تعمل للثقافة والسينما، ولأجل ما يرتبط بهما من متعة وإفادة.
لماذا اخترت التركيز على الفيلم الأمازيغي في كتابك القادم؟
كتابي عن الفيلم الأمازيغي هو بعنوان "تمرحل الفلم الأمازيغي: من تشكيل الانتساب الهوياتي إلى صناعة الخصوصية الإبداعية"، كان من المفترض أن يصدر السنة الماضية في وقت متقارب مع كتاب "دلالات السينما المغربية"، لكن وبسبب مشاكل وخسائر حصلت في طبع المؤلف الأول، فضلت تأجيل الكتاب الثاني ليصدر قريبًا هذه السنة.
يندرج الكتاب، كما كتب أخرى حول السينما المغربية، تنتظر أن أوفر لها إمكانات مادية لنشرها بالنظر إلى أني أنشرها على حسابي الخاص وبإمكانياتي الخاصة لغايات ثقافية وفكرية محضة، في ما أعتبره مشروعًا شخصيًا خاصًا يُعنى بمساءلة السينما المغربية والبحث فيها من زوايا تتكامل على أمل فهم هذه السينما من حيث رؤاها وانشغالاتها وخصائصها الفكرية ومواصفاتها الجمالية وبنياتها الإبداعية وما تبقى.
إنه محاولة في فهم ما نسميه إجرائيًا "الفيلم الأمازيغي"، وهي تسمية لتمييز متن في الفيلموغرافيا المغربية نعنى بدراسته، وهذا قلق انشغلت به لسنوات من خلال متابعة أفلام هذا المتن، ومحاورة رواده، والحضور في لقاءات ومهرجانات ولجان تحكيم تخصه سواء بورزازات أو أكادير أو إيموزار أو سيدي قاسم أو الرباط.
وكتبت عنه إعلاميًا وفي مؤلفات جماعية، أو لصالح مؤسسات بحثية طلبت مني ذلك، كما أشرفت على بحوث لطلبة حوله، وكان لي الشرف أن صاحبت صديقًا باحثًا ومخرجًا غاليًا لي من تونس (هو وسيم القربي) في مشروع ريادي له في مجالي البحث والإبداع السينمائي حول السينما الأمازيغية المغاربية، تحققت منه أعمال مهمة من قبيل أطروحة دكتوراه ناقشها بتونس، وإصدار حول السينما الأمازيغية المغاربية صدر له عن منشورات نيت أمبريسيون بورزازات، ثم فيلمي "أوزل" و"تاوجودت".
الأمازيغية انتساب وهوية لي ككل المغاربة، وما يرتبط بها يعنيني، وهو تحية مني للمبدعين بالأمازيغية وحولها، وللناس في المناطق الأمازيغية التي عشت فيها، بل هو صيغة لقول الانتساب للهامش وللأمازيغية، وهو ما يقوله الإهداء الذي كتبته في مقدمة الكتاب وجاء فيه: "إلى أبناء المطيمربلدتي التي تحضن تربتها عطر أهلي وذاكرتهمتأكيدًا للمحبة وعمق الانتماءإلى أحباب الجغرافيا الأمازيغية التي عشت فيها جزءًا من حياتي، وتقاسمت معهم الخبز والفرحإلى ناس قلعة أمكونة، وتيغسالين، وورزازات وكل البقية كما في بهاء ذكراهم المتجددة...".
لقد سمحت لي مشاهدة الأفلام الأمازيغية التي تابعتها بصيغتها في الفيديو، والأفلام السينمائية، بالتقرب من عوالمها، وفهم آلياتها، ومتابعة مساراتها، وتدعم ذلك بملاقاتي لروادها بمن فيهم الحسين بيزكارن، والراحل محمد مرنيش، والمعنيين بها ثقافة وفرجة، خاصة بعض الجهات التي تنظم بعض المهرجانات واللقاءات الفكرية حولها، أو إصدار مؤلفات تخصها كما الأمر مع جمعية البحث والتبادل الثقافي، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أو نادي إيموزار في الدورات الأولى لمهرجان سينما الشعوب.
لهذا يكون كتاب الفيلم الأمازيغي مساهمة في رصد خصائص الفيلم الأمازيغي، وصياغة لوجهة نظر خاصة بصدد وجه آخر للسينما المغربية، ورأي في تسمية هذا الفيلم، وفي مسارات تشكله، وفي مآزقه التاريخية، وقراءة في ما يعد مواصفات جمالية وإبداعية مميزة له، وأيضًا محاولة لصياغة مشروع إجابة عن قيمته الإبداعية، وثوابته وإبدالاته، وفهم أصحابه والمرتبطين به للانتساب الهوياتي، ولصناعة الخصوصية الإبداعية من داخل السينما المغربية.
ما الذي تريد قوله في كتابك عن "الفيلم الوثائقي المغربي"؟
كتاب الفيلم الوثائقي هو حلم صاحبني منذ بدأ انشغالي بالسينما المغربية، لأني منحاز لهذا الجنس، وأعتبره أفضل ما يمثل السينما وفرجتها، بل أعتبره الممثل الأصيل للسينما بمعناها الموضوعي والفاعل والصادق.
لقد سمح لي اشتغالي في الأندية السينمائية أولًا، ثم ارتباطي بالكتابة عنها، وتدريسي لمادة الفيلم الوثائقي بالجامعة لسنوات، بالانتصار للفيلم الوثائقي. ومن بين ما اقترحته مع أصدقاء بنادي الركاب بفاس بداية تسعينيات القرن الماضي، ولم ننجح فيه، مشروع "ملتقى للفيلم الوثائقي"، وهو ما ترجمته بصيغة أخرى لاحقًا رفقة أصدقائي بجمعية القبس بالرشيدية في دورات خُصصت لمخرجي الفيلم الوثائقي، خاصة أحمد المعنوني، وأحمد البوعناني، ومومن السميحي، وحكيم بلعباس، وعلي الصافي.
ونفس الشيء أقوله عن المؤتمر الدولي "الفيلم الوثائقي: الجماليات والدلالة" الذي اقترحته ونسقته بكلية ورزازات، وصدرت أشغاله في مؤلف جماعي من تنسيقي بعنوان "جماليات السينما الوثائقية".
هو كتاب يترجم حرقة انشغالي بالسينما، والفيلم الوثائقي خصوصًا، وأرصد فيه مسارات هذا الفيلم في السينما المغربية، وتراكمه، وأقرأ متنه كما تشكل منذ مرحلة المغربة إلى الآن، وأبحث في ما يعد منطلقات تجنيسية داخله، وما يعتبر خصائص أسلوبية وجمالية فيه.
الكتاب محاولة لفهم وجه خلاق في السينما المغربية، ورصد لتصورات ورؤى نوعية في هذه السينما، وذلك لأن هذا الجنس أساسًا هو الذي توضحت فيه الإبدالات الخلاقة في السينما الوطنية، ورواده هم مثقفو السينما المغربية بالفعل، بل هم مناضلون سينمائيون بامتياز لأنهم تحملوا عبء الاشتغال من داخل جنس فيلمي مهمش ومنبوذ، ولم تكن له أية أولوية في السياسة السينمائية المغربية، وفي علاقات السينما وبنياتها، ولم يكن يدعم، ولم يكن يقبل في مسابقات دورات المهرجان الوطني للسينما، ولا يوزع في القاعات لحدود الآن، ويدعم الآن بشروط تنميطية أو تحقيرية.
لقد مكنني توفير الأطر النظرية، والاطلاع عليها، والمشاهدة الواسعة للتجارب السينمائية الوثائقية الكونية من الانجذاب لهذا الجنس، ولأني أعنى أكثر بالسينما المغربية، فقد وجدت في متنها الوثائقي ما يحفز على الكتابة والبحث، وأنجزت هذا الإصدار الذي برمجت خروجه سنة 2026 مع إصدار آخر حول السينما المغربية جاهز بدوره، وكان من المفروض أن يصدر قبل كتاب "دلالة السينما المغربية"، وهو بعلاقة وطيدة معه، بل يؤسس بنظري لإصدار "دلالات السينما المغربية"، وعنوانه هو "أوجه المعنى في السينما المغربية: الجماليات المنسية وتعبيرية الانهيار".
مسألة أخرى يعنيني أن أشير إليها، وتؤكد بدورها انشغالي الكبير بهذا الجنس، وهي كون أغلب مشاريع أبحاث الطلبة التي أشرف عليها هي في موضوعات الفيلم الوثائقي، لهذا أعتبر مؤلفي كما كتاباتي حول الوثائقي مصدرًا للمتعة الخاصة، وزاوية نظر إضافية أعكس من خلالها عشقي للسينما، وانشغالي بالبحث في السينما المغربية والكتابة عنها.
كيف تجد الأفكار لكتبك عن السينما؟
لن أجيبك بالقول "إن الأفكار مطروحة في الطريق"، ولكن أقول ما هو قريب من هذا، وهو أن الممارسة الفاعلة في حقل ما تولد وتنتج ما لا يحصى من أفكار.
شخصيًا، أجد في المراجع التي وفرتها بمكتبتي الخاصة، وفي ممارستي للقراءة المستمرة للمراجع النظرية القيمة، ومشاهدة الأفلام، وفي ممارستي داخل الأندية السينمائية والجمعيات الثقافية، وفي ارتباطي بمجموعات ومختبرات بحث، وفي إنصاتي لتوجيهات أساتذتي الذين درسوني في مؤسسات التدريس أو خارجها، أو علموني في إشرافهم على أبحاثي، أو في أسئلة وحوارات أصدقائي التلاميذ الذين درستهم بالثانوي، وطلبتي الذين أدرسهم بالجامعة، الأفكار التي يعنيني البحث فيها والكتابة عنها.
طبعًا لا أقول إن ما أشتغل عليه يأتي صدفة، بل يتأسس بناء على قناعاتي الثقافية والسياسية والاجتماعية أيضًا. أنا حين أفكر في السينما، أفكر فيها باعتبارها علاقات اجتماعية وثقافية مكثفة لما هو سياسي، فأنا حين أكتب يكون ذلك لأجل ترجمة قناعتي، والتعبير عن موقفي من الموقع الذي يعنيني أن أعبر من داخله، وحين أقول موقعًا أعني ما ينشغل به من أطر نظرية ومرجعيات فكرية وتقديري الخاص لمدى احتياج الزمن الذي أنتسب إليه له.
اقتراح أفكار للكتابة والبحث هو مسؤولية من موقع الضرورة التاريخية التي تعنيني، والرغبة في ترجمة القناعة الشخصية من الموقع الثقافي أو المدني أو العمل الصحافي الذي كنت أشتغل فيه، أو البحث العلمي الذي أرتبط به، أو المهنة التي أتقاضى عنها أجرًا.
لم تعنني يومًا أفكاري باعتبارها مربحة ماديًا، فما تضمنه لي على هذا المستوى هو تراكم الخسائر، لأني أنا من يوفر لها إمكانات الصدور في مؤلفات باستثناء كتاب "هوية السينما المغربية" الذي أصدره لي مشكورًا اتحاد كتاب المغرب في أول تجربة إرفاق مجلة آفاق بإصدار كتاب لاسم ما.
حتى الكتب الجماعية التي أشرف على تنسيقها وإصدارها، خاصة التي أصدرتها بورزازات، تكلفني إمكانات مادية كبيرة، وحين لا أجد من يصدرها أتكلف بأداء ما يرتبط بها من ديون، وقد كلفني إصدار كتاب "السينما ومعاني التاريخ الاجتماعي" مثلًا ما يقارب 35000 درهم، وهذا حديث آخر، فالأهم أنه خرج للناس، وجمع مداخلات ندوة دولية كنت قد أشرفت على تنظيمها وتنسيقها بكلية ورزازات، كنا قد وعدنا بنشر أعمالها، ساهم فيها باحثون كثر من المغرب وخارجه.
تأتي الأفكار أيضًا من اللقاءات والندوات الوطنية والدولية التي أستدعى للمشاركة فيها بالمغرب والخارج، أو من طلبات المشاركة بدراسات في بعض المجلات، أو حين يقترح علي إنجاز بحث ما لجهة محددة، لكن في كل هذا أوجه ما أعنى بكتابته وفق قناعاتي وانشغالاتي، وما يعد اهتمامًا مستعجلًا وضروريًا لدي، وما أعتبره بعيدًا عن هذا لا أقترحه موضوعًا للكتابة لنفسي.