منشقون عن النهضة باقون على العهد

أغلب القياديين النهضويين المنشقين غاضبون من الغنوشي ولا يعارضون أفكار الحركة.
معظم الانشقاقات عن النهضة "انفعالية"
تونس

أثبتت التجارب السابقة أن المنشقين عن حركة النهضة الإسلامية في تونس لا يبتعدون كثيرا ولا يلبثون أن يعودوا سريعا للحركة، خلافا لما يحدث بعدد من الأحزاب الأخرى التي يغادرها الكثير دون رجعة. لذلك يتساءل مراقبون عن سر هذه الظاهرة، هل هو مرتبط بطبيعة الحزب الذي يغلب عليه الطابع الدعوي العقائدي، أم بتكوين الناشطين صلبه الذين يعتبرون الحزب محرابا لممارسة عقيدتهم أكثر من ممارسة السياسة.

ومنذ أن كانت تنشط سرا تحت اسم حركة الاتجاه الإسلامي في 1982، مرت النهضة بالعديد من الانشقاقات لقياديين بارزين لعل أبرزهم صالح كركر الذي أسس الحزب بمعية راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو من رحم جماعة الإخوان المسلمين. غير أن محللين يرون أن موجة الانشقاقات تصاعدت بعد الثورة وتحديدا منذ أن تسلمت النهضة مقاليد السلطة في تونس.

ويشدد المحلل السياسي نصر الدين بن حديد في تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" على أن الانشقاقات التي حصلت داخل حركة النهضة هي درجات وليست جميعها بنفس المستوى، مشيرا إلى وجود النزعة الانفعالية في بعض الاستقالات أو الانشقاقات لذلك سرعان ما "تهدأ خواطرهم".

وأضاف بن حديد، وهو مقرب من الإسلاميين في تونس، ان "إجراءات قيس سعيّد الاستثنائية المتخذة في 25 يوليو الفائت ولّدت لدى الكثير من أعضاء النهضة لُحمة وتضامنا كبيرين جعلا الكثير منهم يتعالى على خلافاته السابقة مع رئيس الحركة بشكل خاص".

الصدمة دفعت الحزب إلى أن يجعل من وحدة التنظيم أمرا مقدسا، ينظر إليها على أنها إطار وقائي وحصن منيع

ويذهب الكاتب الصحفي تياري بريزيّون إلى اعتبار أن "النهضة مجتمع تحت الصدمة، ينتابه القلق باستمرار، بفعل التهديد المصيري المسلط على رقبة الحزب وأتباعه، والمتمثل في طرد الحزب من السلطة".

 ويضيق بريزيون أنه بدافع هذا الخوف يسارع الكثير من المنشقين إلى العودة إلى "بيتهم" الذي يُشعرهم بالأمان خاصة بعد أن يصطدموا وهم وحيدون (دون حزب) بالشارع ويحتكوا بمجتمع لا يشبههم كثيرا، فيتعاظم داخلهم الشعور بالتعرض للاستئصال.

ويضيف بريزيون قائلا "إن الصدمة دفعت الحزب إلى أن يجعل من وحدة التنظيم أمرا مقدسا، ينظر إليها على أنها إطار وقائي وحصن منيع؛ ويجعل المشاركة في السلطة ضرورة استراتيجية ".

ومنذ الثورة التونسية غادر النهضة عدد من قياديي الصف الأول على غرار حمادي الجبالي الذي شغل منصب أمين عام الحركة ورئيس أول حكومة بعد انتخابات 2011، الذي لم يعد ينشط هيكليا داخل الحركة لكن مواقفه وتصريحاته ظلت متناغمة إلى حد كبير مع مواقف النهضة، يدافع عنهم ويدافعون عنه.

هناك انشقاق عن الغنوشي وانشقاق عن النهضة وهما أمران مختلفان

لكن آخرين عادوا بسرعة للنهضة مثل محمد القوماني ورياض الشعبيبي الذي استقال في 2014 بعد "خصومة" مع الغنوشي وأسس حزب البناء الوطني ليعود في 2020، معللا عودته بأنها "جاءت تلبية لدعوة الغنوشي لقدماء الحزب المنشقين للعودة والالتفاف حول حركتهم". بينما تتباين مواقف مجموعة الـ100 التي استقالت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي محملين الغنوشي ما حصل من إخفاقات بتونس. ومازالت "روح التضامن والتآزر" تجمعهم مع من بقي داخل الحركة ولم ينشق عنها. وأبرز مثال على ذلك موقفهم الموحد من إجراءات رئيس الجمهورية وموقفهم من وضع القيادي بالحركة نور الدين البحيري قيد الإقامة الجبرية نهاية العام الماضي.

وتعليقا على هذه النقطة بالذات يقول المحلل بن حديد "كما ميّزنا بين مستويات الانشقاق علينا التمييز أيضا بين مستويات الأسباب الدافعة بهؤلاء إلى الانشقاق". ويضيف بن حديد أنه في ظل أزمة نموذج القيادة الإسلامية التي يمر بها الإسلام السياسي عموما، فإنه وجب التمييز كذلك بين انشقاق عن النهضة وانشقاق عن الغنوشي.

وأشار إلى أن أغلب الانشقاقات الحاصلة مؤخرا بالنهضة هي انشقاقات عن رئيس الحركة وليس عن الحركة في حد ذاتها.

فضلا عن الانشقاقات المتتالية فقدت النهضة بين 2011 و2019 قرابة المليون ناخب

ويرى محللون أن النهضة تعيش مأزقا حقيقيا جعلها ممزقة بين إقناع القواعد الشعبية بأنها حزب ذو هوية دينية متفردة تميزه عن باقي الأحزاب المدنية، وبين محاولات التخلص من الربط بين الإسلام السياسي والرجعية وممارسة الإرهاب. لذلك أعلنت النهضة في مؤتمرها العاشر في 2016 عن مبدأ الفصل بين الدعوي والسياسي في الحزب. وهو أمر لم يتحقق بشكل واضح، وفق بعض المتابعين.

وبينت الإحصائيات وعمليات استطلاع الآراء أنه بين انتخابات المجلس التأسيسي في 2011 والانتخابات التشريعية في 2019، فقدت النهضة قرابة المليون ناخب (من 1.5 مليون إلى 571 الفا) وتراجعت من 37 بالمئة إلى أقل من عشرين بالمئة من إجمالي أصوات الناخبين.

وتتداول أطراف مقربة من النهضة أن مجموعة الـ100 المستقيلين مؤخرا بصدد التحضير لحزب إسلامي جديد بقيادة عبد اللطيف المكي وسمير ديلو وزياد العذاري، يُتوقع ألا يختلف في عقيدته عن حركة النهضة، الأمر الذي دفع بالكثير إلى التساؤل عن جدوى تشبيه الحزب الجديد بحزب رجب طيب أردوغان المنشق عن زعيمه الروحي نجم الدين أربكان، خاصة وأن جميعها أحزاب إخوانية.