منظمة التحرير من النضال الى الاذلال

قادة منظمة التحرير لم ينجحوا في تحرير ارضهم، وانما نجحوا في تحنيط القضية الفلسطينية.

الحوار العربي حول احداث غزة منذ بدء عملية طوفان الاقصى يدور حول محورين رئيسين: الأول، تأييد اعمال المقاومة وتحميل اسرائيل مسؤولية سقوط الضحايا اليومي في غزة؛ والثاني، رفض اعمال المقاومة وتحميلها تداعيات الكارثة الانسانية.

لكني ارى ان بداية التهيئة الداخلية قد تحركت عجلتها عندما اقتنع قادة منظمة التحرير بترك ساحة النضال والقبول بالجلوس على طاولة المفاوضات، واعتقدوا ان التنازل يمكن ان يجلب السلام، او يمنحهم بعضا من المكاسب، لكنهم فوجئوا ان الغرق في المغانم افقدهم الوطن.

ما حدث تحديدا في اوسلو وما بعد اوسلو وفي ميثاق الخليل ومذكرة واي ريفر وخارطة الطريق الدولية وقمة بيروت وغيرها من القمم والاتفاقيات الدولية، هو ان قادة منظمة التحرير لم ينجحوا في تحرير ارضهم، وانما نجحوا في تحنيط القضية الفلسطينية.

بمعنى اخر اجهز قادة منظمة التحرير على حيوية الانتفاضة الاولى ونتائجها السياسية غير المسبوقة حين اعترف الإسرائيلي والأميركي مرغما بأصالة سكان الضفة والقدس وغزة وأنهم جزء من فلسطين وليسوا أردنيين كما كان يروج الاحتلال سابقا، وان لهم حقوقا لا يمكن تجاوزها بالحلول العسكرية.

وبدلا من استثمار هذا الانجاز، تم تبادل الرسائل بين اسحاق رابين وياسر عرفات اعترف خلالها الاخير بحق إسرائيل في الوجود والتخلي عن الإرهاب (الانتفاضة)، في مقابل ايجاد حل سلمي للنزاع، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني.

لقد حظيت منظمة التحرير بدعم اغلب الدول العربية، وفرضت نفسها كواجهة سياسية وعسكرية للقضية الفلسطينية، لكنها لم تنجح في استثمار هذه الفرصة الذهبية، وارتكبت عدة حماقات اضرت بأولوية فلسطين في الضمير العربي والعالمي.

ومن ابرز تلك الاخطاء موقف السلطة الفلسطينية من غزو الكويت، فهي في ذلك الموقف لم تخسر دولة الكويت كأهم داعم ومتفاعل مع الحق الفلسطيني فحسب، وانما فككت الاجماع العربي حول القضية الفلسطينية من جهة، وبررت فكرة الاحتلال على الرغم انها تعاني من ويلات الاحتلال.

ومن الاخطاء القاتلة تحويل القضية الفلسطينية الى ورقة سياسية بيد بعض الانظمة العربية لتحقيق الزعامة على الاخرين، مثل التنافس المصري-الليبي، والعراقي-السوري، وهو ما ادخل القضية في دائرة الشعارات والمشاريع الفاشلة، واصبح الفلسطينيون طرفا من اطراف الصراع، بعد ان كانوا محلا للاتفاق والالتقاء.

لقد سرق تجار الثورات تضحيات الشعب الفلسطيني، وجهود رجالاته المخلصة، ونضال حركاته المقاومة، وهو التصرف الذي كشفت ظهر الشعب الفلسطيني، ومكن العدو المحتل من الاقدام على ارتكاب احد اكبر الجرائم بشاعة ودناءة في تاريخ البشرية.