من أجل ماذا ماتوا؟

نزجي بالشباب إلى الخطر، وعندما يقتلون نبكيهم.

مرة أخرى يخرج الشباب الفلسطيني ليرمي الحجارة على اليهودي، لأنه استولى على القدس لأنها إسلامية فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وعندما تتناقل الصحف الخبر، سيقول المسيحيون وهم غالبية سكان الأرض  "ليس هناك إسلام والدين الحقيقي هو اليهودية والمسيحية التي هي امتداد لليهودية." ويقتلون بدم بارد ولا أحد يستنكر قتلهم، بل يضع اللوم على القاتل والقتيل معا. إلى متى نظل في هذه الدوامة؟ فلسطين كلها محتلة وليس هناك فرق بين القدس وباقي المدن فهي سلبت بالقوة من أصحابها. فما هو الجديد؟ إسرائيل أعلنت مليون مرة أنها لن تسمح بإقامة دولة فلسطينية في جوارها، وبدلا من إثارة مسائل تتعلق بلقمة العيش وسرقة إسرائيل لمياه العرب وغاز العرب، يقوم الشباب الفلسطيني بالغضب من أجل القدس من منطلق ديني، لكي يتشفى العالم بأسره بموتهم.

إذا كانوا يعزفون على وتر الدين لكي يستنهضوا المسلمين، فقد خاب ظنهم وفشل مسعاهم، فالمسلمون هم الأضعف في هذا العالم وهم متهمون بالهمجية التي جسدتها داعش وغير داعش بأبشع صورها. والمسلمون الأقوياء مثل تركيا وايران لن يسفكوا دما من أجل القدس وإذا تحركوا فسوف يتحركون للسيطرة على بلاد العرب، وليس لأجل عيون الفلسطينيين.

مسكينة غزة لأنها اشترت نهجا نضاليا فاشلا، وكل يوم يستشهد طفل أو شاب، مقابل لا شيء. كان يمكنهم الاحتجاج وتنظيم مليونية تسير في شوارع غزة وتهتف ضد نقل السفارة ولم يكن هناك داع لاقتراب هؤلاء الشباب من أسلاك إسرائيل وموتهم وبكاء أهاليهم خلفهم. ألم يتعلموا أن إسرائيل تتلهف لكي يقترب أحد من الأسلاك لتقتله؟ ألم يتعلموا أن آلة الحرب الإسرائيلية هي الأقوى في المنطقة ولا يمكن هزيمتها إلا بتخطيط وحشد وتعبئة لاسترداد البلاد التي اغتصبت بقوة السلاح؟ ألم يتعلموا أن الاستناد إلى قداسة الأرض في الديانة الإسلامية تفقدهم التأييد العالمي؟ لماذا لا يتركون مسألة الدين ويطالبون بالحق التاريخي وليس الديني؟

لماذا لا ينظم الفلسطينيون مليونية للمطالبة بحصتهم من الآبار الجوفية التي تستولي عليها إسرائيل ثم تبيعها للفلسطينيين وآبار الغاز الذي سرقتها نهارا جهارا؟ إن مسيرات كهذه تجعل العالم كله يفهم أن إسرائيل سرقت أرض وقوت شعب وهذا مجدٍ أكثر بكثير من المقدسات الإسلامية التي لا يعترف بها كل العالم المسيحي بمن فيهم بعض العرب.

يكيلون باللوم على الدول التي لجأت إلى إسرائيل للتحالف ضد ايران لأنها في خطر وجودي محدق بها، فهل لو لم تفعل ذلك لعادت فلسطين إلى العرب؟ وماذا يحصدون من تحالف العرب سوى الشجب والتنديد؟ ألم يقل شارون أن قرارات العرب لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به؟ هناك تناقضات عجيبة عصية على الفهم.

لقد أثبتنا أننا ظاهرة صوتية لا أكثر. نزجي بالشباب إلى الخطر، وعندما يقتلون نبكيهم. اثنان وستون شهيدا قضوا أمس مقابل لا شيء. وددت لو يجيبني أحد ممن أوعزوا لهم بالتحرك، ماذا حققتم؟ ألا تبدأ المشاريع بتحديد أهداف؟ ما هي أهدافكم؟ إذا كانت المسيرات تحقق شيئا، فلماذا احتل العراق والعالم كله خرج بمسيرات تطالب بعدم غزو العراق؟ إن هذا التحرك عبثي يجر ويلات على الفلسطينيين، وحري بالقيادة الفلسطينية أن تترك القيادة لغيرها، فربما يكون بين الفلسطينيين رجل رشيد يحسن التخطيط والتصرف.

الفلسطينيون بوضعهم الحالي لا يمكن أن يحرروا ذرة تراب، والعرب في وضعهم الحالي لا يستطيعون حماية أنفسهم، إنهم ميتون سريريا، ولذلك تسعى ايران وتركيا لاحتلالهم لأنهم غير فاعلين، وفوق هذا وذاك، يقوم الشباب الفلسطينيون بتحدي إسرائيل والاقتراب من سياجها ليقتلوا ويعودوا محمولين على الأكتاف لأمهاتهم. هذا قتل مجاني لا يقبل به الشيطان الرجيم.

لا بد من تغيير القيادة الفلسطينية ولا بد من تخطيط بعيد المدى ووضع أهداف محددة يجري العمل لتحقيقها بالعقل والمنطق وما هو ممكن، ولا بد من التخلي عن الأحلام الدونكيشوتية في القرن الواحد والعشرين.  ألم يتمكن ريغان من تفكيك الاتحاد السوفيتي دون التضحية بأمريكي واحد؟ عيب على الفلسطيني الذي يتمسك بالقيادة وهو ليس أهلا لها، عيب على من يتمسك بالقيادة وهو لا يحسن التخطيط ولا التنفيذ، وعيب على من يريد المجد من خلال المنصب وهو غير كفؤ وخطأه أكثر من صوابه، وعيب على من يقبل أن تكون غزة سجنا بلا طعام ولا ماء ولا كهرباء.